قطرات مطر خجولة تتساقط تباعا على نافذة الصف..
تك..
تك.. تك..
أتوقف عن الكلام للحظة وأستمع لصوت المطر بخشوع، ثم أكمل الشرح، يعلو صوتي محاولة أن أثير حماسهم.
"الوطن العربي يتوسط موقعا إستراتيجيا مهما، ويمتلك موارد طبيعية ضخمة"..
تطالعني وجوه الطلاب الواجمة، ثم تشيح عني غير مكترثة، وتتابع انهمار قطرات المطر من وراء النافذة..
"أتعرفون ما معنى الموارد الطبيعية؟".
تطالعني الوجوه باللامبالاة ذاتها..
"والموقع الإستراتيجي؟".
وأقرأ هذه المرة سخرية في الوجوه تشعرني بغصة، وأشعر بإهانة توجع وطني العجوز لكنني لا أستسلم وأكمل محاولتي المثيرة للشفقة، وأضع الخريطة الملونة جانبا، وأمسك قلمي، وأقرر بأن أرسم لهؤلاء الصغار وطنا، أن أعلمهم أن يضعوا الخرائط التي رسمها لهم الآخرون جانبا. أن يرسموا وطنا وعلى شفاههم ابتسامة، كما علمني والدي الذي رسم لي يوما خطوطا لم أفهم معناها على لوحي الخشبي الأسود، ثم نظر للرسم بفخر وقال:
"هذا هو الوطن". "وما معنى الوطن؟".
سألته حينها وحملني على كتفيه "تعالي لأريك إياه". واقترب من النافذة المغلقة. كان اليوم ماطرا ومن بعيد رأيت نخيلا وغيوما. وقلت له: "أهذا هو الوطن؟"، ابتسم وقبلني ولم يجب.
ويومها فهمت أن وطني سماء ونخيل وأناس يشبهون أبي..
أكمل الرسم وأرسمه وطنا من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي.. أرسمه بلا حدود وأنا أعلم بأني أكذب على نفسي وهؤلاء الأبرياء. نتنفس للحظات حرية تشعرنا بسعادة غريبة تتلاشى سريعا أمام الخطوط المتعرجة التي تثير الحزن. يظل تلاميذي واجمين، منتظرين لما قد يفاجئهم، الخطوط المتعرجة لم تكن تنبض بالحياة.
"ما رأيكم بأن ترسموا معي الوطن؟"
ينظرون إلى بعضهم مستغربين واقطع صمتهم..
"عصام، تعال وارسم لي في هذه المساحة البيضاء الخالية بين الخطوط ما يعنيه لك الوطن".
يقترب عصام من اللوح مرتبكا وأربت على كتفه فيطمئن.. ويمسك القلم، يرسم بيتا صغيرا له باب صغير ونافذتان.. أهنئه على الرسم الجميل ويرجع إلى مقعده ليقفز عمر يريد أن يشاركني الرسم أيضا، يقترب من اللوح ويرسم إلى جوار البيت شجرة يحلق فوقها عصفور..
يسري نبض حياة بين الصغار ويضحكون..
يتشجع سامح الصغير ويقترب خجولا ويرسم وجه امرأة طيبة ترتدي غطاء للرأس..
يشاركه حمزة ويرسم سبحة طويلة وسجادة صلاة..
فؤاد يرسم صليبا يطل من وراء الجبل..
عامر يرسم تفاحا وسلة تمر..
أسامة برسمه المتواضع، يرسم أطفالا يلعبون الكرة ولؤي -الأول على الصف- يرسم كتابا وقلما..
ومن مقاعدهم يشارك من خجلوا من الوقوف أمام اللوح باقتراحاتهم ..
"ارسم مدرسة..
ارسم نهرا وبحيرة..
ارسم بندقية..".
أبتعد عنهم وأرقبهم من زاوية، وأشعر بفخر كبير وأنا أرى وطني يكبر في عيونهم وبأقلامهم وبين أصابعهم الجميلة التي ترسم بنشاط وفرح.. أهمس في أذن لؤي الواقف بقربي "ارسم نخيلا وغيوما.." ويفعل..
ويمتد الوطن.. ويتسع.. ويصبح جميلا.. ملونا.. مشعا كعيونهم ونابضا كقلوبهم الصغيرة بالإيمان..
"عرفتم الآن معنى الوطن؟" أسألهم.
لا يبالون بسؤالي ويكملون الرسم وقد حمل كل منهم وطنه بين يديه..
مثل هذة الموضيع
ويعطيج العافية….
الجميل
^_^
الله يعافيج وجزاج الله خير ع المرور
نشكر لك مرورك الطيب
شكرا لمرورك …
قصه
حلوه
معبره
…..
فعلاً
شكراً