وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جاء في كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
في تغطية الفم وكظمه عند التثاؤب
مطلب : في تغطية الفم وكظمه عند التثاؤب
وغط فما واكظم تصب في تثاؤب فذلك مسنون لأمر المرشد ( وغط ) أيها المتثائب ( فما )
حيث غلبك ولم تستطع كظمه ( واكظمه ) إن استطعت فإن المسنون لك إذا تثاءبت أن تكظم
والكظم مسك فمه وانطباقه لئلا ينفتح مهما استطاع
فإن غلب التثاؤب غطى الفم بكم أو غيره كيده
{ ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع }
وفي رواية { فليضع يده على فمه فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب }
وقال لي شيخنا التغلبي فسح الله له في قبره ، وأغدق عليه سحائب عفوه وبره :
إن غطيت فمك في التثاؤب بيدك اليسرى فبظاهرها ، وإن كان بيدك اليمنى فبباطنها .
قال والحكمة في ذلك ; لأن اليسرى لما خبث ولا أخبث من الشيطان
وإذا وضع [ ص: 453 ] اليمنى فبطنها ; لأنه أبلغ في الغطاء
واليسرى معدة لدفع الشيطان ، وإذا غطى بظهر اليسرى فبطنها معد للدفع . انتهى .
فإنك إن فعلت ما أمرت به من الكظم حسب الطاقة ثم تغطية الفم إذا لم تطق الكظم ( تصب )
من الإصابة وهي ضد الخطأ ( في ) فعلك الذي فعلته من الكظم والتغطية في ( تثاؤب )
بالهمز تثاؤبا ، وزان تفاعل تفاعلا ، قيل هي فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه .
وتثاوب بالواو عامي قاله الحجاوي في لغة إقناعه .
وفي القاموس تثاءب وتثاوب أصابه **ل
وفترة كفترة النعس وهي الثؤباء والثأب محركة . انتهى .
وفي مطالع الأنوار : إذا تثاءب والاسم الثؤباء
ويسهل فيقال تثاوب قال ابن دريد أصله من ثيب فهو مثيب إذا **ل واسترخى
فظهر بما قلنا أن الواو لغة لا كما قال الحجاوي .
قال في الآداب الكبرى : من تثاءب كظم ما استطاع للخبر
وأمسك يده على فمه أو غطاه بكمه أو غيره إن غلب عليه التثاؤب
لقوله عليه الصلاة والسلام { التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع
فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان }
وفيه { إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب
فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل هاه هاه
فإن ذلك من الشيطان يضحك منه } رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم
والبخاري ولفظه { إذا تثاءب أحدكم في الصلاة }
وقدمنا حديث { العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان }
قال في النهاية إنما أحب العطاس
لأنه إنما يكون مع خفة البدن وانفتاح المسام وتيسر الحركات
والتثاؤب بخلافه . ولا يزيل يده عن فمه حتى يفرغ تثاؤبه .
ويكره إظهاره بين الناس مع القدرة على كفه . وإن احتاجه تأخر عن الناس وفعله .
وعنه يكره التثاؤب مطلقا .
( فذلك ) الذي ذكرناه لك من الكظم والتغطية وإدامة التغطية إلى فراغ التثاؤب
وعدم إظهار صوت بنحو هاه وأخ وما له هجاء
وإن كان ذلك في صلاة يعني إظهار ما له حروف هجاء أبطلها
لأنه كالكلام ( مسنون ) يثاب على فعله لاقتدائه ( بأمر المرشد )
بضم الميم وشدد الشين رحمه الله ضرورة ، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم
مأخوذ من الرشد يقال رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى
والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه [ ص: 454 ]
والرشيد في أسمائه تعالى الهادي إلى سواء الصراط ، والذي حسن تقديره فيما قدر .
ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أرشد الناس إلى الطريق المستقيم والدين المتين القويم
فهو المرشد الحكيم عليه أفضل الصلاة والتسليم .
( تتمة ) روي عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال سبع من الشيطان
شدة الغضب ، وشدة العطاس ، وشدة التثاؤب
والقيء ، والرعاف ، والنجوى ، والنوم عند الذكر .
والله أعلم .
الـــرابـــــــط
وروى البخاري (6223) – واللفظ له – ومسلم (2994)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ
فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ
فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِذَا قَالَ : هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ)
وروى مسلم (2995) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ) .
وفي لفظ له : (إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ) .
قال ابن علان رحمه الله :
"(ما استطاع) أي قدر استطاعته ، وذلك بإطباق فيه
فإن لم يندفع بذلك فبوضع اليد عليه" انتهى .
"دليل الفالحين" (6/175) .
فالمشروع في حق من هم بالتثاؤب أن يكظم ذلك ما استطاع
وذلك بتطبيق السن وضم الشفتين ، فإن لم يندفع كظمه بيده .
واستحب غير واحد من أهل العلم أن يكون باليد اليسرى
لأنه من باب دفع الأذى ، وقاعدة الشريعة :
تقديم اليمين في كل ما كان من باب الكرامة
وتقديم الشمال في كل ما كان من باب المهانة .
وذكروا أن ذلك يكون بوضع ظهر كفه اليسرى على فمه
لأنه من باب دفع الشيطان ، فيكون دفعه بباطنها
فإن كظمه باليمنى حصل أصل السنة
وحينئذ يكون بوضع باطنها على الفم .
قال المناوي رحمه الله :
"(فليضع يده) أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع
ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين .
قيل : لكنه يجعل بطنها على فيه ع** اليسرى" انتهى .
"فيض القدير" (1/404) .
وقال السفاريني رحمه الله :
"وَقَالَ لِي شَيْخُنَا التَّغْلِبِيُّ فَسَّحَ اللَّهُ لَهُ فِي قَبْرِهِ :
إنْ غَطَّيْت فَمَك فِي التَّثَاؤُبِ بِيَدِك الْيُسْرَى فَبِظَاهِرِهَا , وَإِنْ كَانَ بِيَدِك الْيُمْنَى فَبِبَاطِنِهَا .
قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ : لأَنَّ الْيُسْرَى لِمَا خَبُثَ وَلا أَخْبَثَ مِنْ الشَّيْطَانِ
وَإِذَا وَضَعَ الْيُمْنَى فَبَطْنَهَا ; لأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْغِطَاءِ , وَالْيُسْرَى مُعَدَّةٌ لِدَفْعِ الشَّيْطَانِ
وَإِذَا غَطَّى بِظَهْرِ الْيُسْرَى فَبَطْنُهَا مُعَدٌّ لِلدَّفْعِ" انتهى .
"غذاء الألباب" (1/348) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
"وإِذا غلبه فإِنه ينبغي تغطية فمه بيده اليسرى ؛ لأَنه من باب دفع الخبث
فإِن الشيطان خبيث . ويكون الذي يلي فمه ظهر كفه
لأَنه من باب الدفع والمنع ، يدفع الشيطان ويمنعه لا يدخل " انتهى .
"فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم" (2/182) .
والذي يظهر أن الأمر في هذا واسع ، ولم تأت السنة بتعيين اليسرى
أو اليمنى في كظم التثاؤب ، فضلا عن التفصيل المذكور
وهو كونه بباطن اليد أو ظهرها ، فمتى حصل ذلك باليد اليمنى أو اليسرى ، حصلت السنة .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يتثاءب يضع يده اليمنى أم يده اليسرى
أم يضعهما معاً على فمه الطاهر؟
فأجاب : "لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده على فمه إذا تثاءب
وإنما ورد ذلك من قوله حيث أمر صلى الله عليه وسلم الرجل عند التثاؤب –
يعني : أو المرأة – أن يكظم – يعني : يمنع فتح فمه ما استطاع –
فإن لم يستطع فليضع يده على فمه ، ويضع اليد اليمنى أو اليسرى
المهم أن لا يبقي فمه مفتوحاً عند التثاؤب" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (13/61) .
والله أعلم .
الـــرابــــــط
وإليــــــكم أيضـــــا
أحكام وضع اليد على الفم حال التثاؤب
رقـم الفتوى : 52366
عنوان الفتوى : أحكام وضع اليد على الفم حال التثاؤب
تاريخ الفتوى : 05 رجب 1445 / 21-08-2004
السؤال
ما حكم التثاؤب خلال الصلاة هل يجب أن أضع يدي اليمنى على فمي
حينما أتثاءب لأني لطالما سمعت أنه يجب فعل ذلك عند التثاؤب
كي لا يدخل الشيطان لا أدري أن كان هذا الكلام صحيحاً أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبشأن وضع اليد على الفم عند التثاؤب يرجى مراجعة الفتوى رقم: 75.
ولا يختص استحباب وضع اليد على الفم عند التثاؤب بالصلاة
بل هو مستحب في الصلاة وغيرها، ولم يتطرق الحديث لتعيين اليمنى من غيرها
وإنما فيه الأمر بوضع اليد على الفم
وقد ذكر بعض العلماء أن ذلك باليسرى سواء وضع ظاهرها أو باطنها
ففي أسنى المطالب في الفقه الشافعي: فإن تثاءب سن له أن يغطي فاه بيده
قال ابن الملقن وغيره: والظاهر أنها اليسرى لأنها لتنحية الأذى. انتهى.
وقد كره المالكية سد الفم بباطن اليسرى لأنها معدة لمباشرة الأذى
وقالوا: إنما يسده بظاهر اليسرى أو باليمنى ظاهرها أو باطنها.
وهذا كله على الندب والاستحباب، والمطلوب سد الفم عند التثاؤب.
والله أعلم.
المفتـــي: مركز الفتوى
الــــرابــــــط
وإليـــــــــكم أيضــــــــا
التثاؤب في الصلاة مكروه
رقـم الفتوى : 75
عنوان الفتوى : التثاؤب في الصلاة مكروه
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
ما حكم التثاؤب في الصلاة ؟
والله أعلم.