لم نكن فقط ابنتي خالة ، بل كنا أختين و صديقتين ، زميلتين في المدرسة ، جارتين في المنزل ، رفيقتي عمر !
هكذا نشأت أنا و ابنة خالتي التي ولدت بعد ولادتي بثلاثة أيام ، دائما معا كتوأمين !
الأقارب و اجيران و الأصدقاء … الزميلات و المدرسات … الجميع في كل مكان كان يرانا مقترنتين ببعضنا البعض في كل مكان …
كنت متعلقة بها تماما كتعلقها بي ، تقاسمنا الأسرار … الضحكات … الدموع … الطعام … و حتى الملابس !
لم يكن لدي فستان جديد أرتديه في حفلة خطوبة صديقتنا صفاء ، تفحصت خزانتي جيدا و لم أجد فيها ما يناسب . شعرت بالغيظ الشديد ! لا يمكن ألا أحضر هذه الحفلة !
اتصلت مباشرة بلبنى و أخبرتها بأنني لا أجد فستانا مناسبا ! و كان جوابها : ( تعالي و اختاري أحد فساتيني الجديدة التي أحضرها والدي مؤخرا ! )
و لأن حجمينا كانا متقاربين كثيرا ، بدا الفستان الذي اخترته غاية في الجمال و الأناقة على جسمي .
و ذهبنا سوية لتلك الحفلة . و كم كانت رائعة ! كل شيء كان رائعا و كانت عبارات الإعجاب بأناقتي تحيط بي من كل جانب ، ما أشعرني ببعض الزهو و قليل من الغرور !
و انتهت الحفلة الجميلة و دعوت ابنة خالتي لبنى للمبيت في بيتي .
في تلك الليلة تحدثنا كثيرا عن الزواج …
كنا فتاتين مراهقتين لا نفهم شيئا في مثل هذه الأمور … و لكن خطوبة صفاء فتحت أعيينا البريئة على أمور لم تكن تخطر لنا على بال …
كانت هي المرة الأولى التي نتكلم فيها عن الزواج و شعرنا ببعض الخجل في البداية و لكننا لقربنا الشديد من بعضنا البعض سرعان ما تفتحت أفكارنا و مشاعرنا لبعضنا البعض … و اعترفت !
( أنا أتمنى أن أتزوج من ابن خالتنا أمين ! )
ضحكت لبنى من أمنيتي في البداية فغضبت منها و تشاجرت معها و بكيت ثم تصالحنا و نمنا بسلام !
أمين كان هو الشاب الوحيد في عائلتنا الذي يكبرنا سنا . لا أظن أن هناك شيء ما يميزه عن غيره و لكنه كان
( الرجل ) الوحيد الذي احتككت به … و لم يكن في ذلك الوقت قد تجاوز الثالثة و العشرين بعد !
بعد أسبوعين من حفلة صفاء … تفاجأت بأول عريس يطرق الباب !
لقد كان شقيق صفاء الأكبر . والدة صفاء قد أعجبت بي ( و قد يعود الفضل لفستان لبنى ! ) و جاءت تحدث والدتي عن الأمر !
كان حدثا رهيبا عجيبا في حياتي لم يسبق لي المرور بمثله … أنا أتزوج !؟ ألا تبدو نكتة سخيفة !
لم أحمل الموضوع محمل الجد … و دعوت نفسي للعشاء في بيت خالتي في اليوم التالي و بادرت باخبار لبنى عن الأمر … ثم أخذتنا موجة عاتية من الضحك !
( أرأيت يا لبنى ! يبدو أنني كنت أجمل مما اعتقدت ! )
( لا تنسي الفستان الذي أعرتك إياه ! لو ارتديته أنا لكان العريس من نصيبي ! )
ضحكنا و ضحكنا … و انتهى الأمر … إلى أنني لازلت صغيرة … و لست أهلا للزواج في الوقت الحالي ، و صرف العريس صرفا مهذبا .
بعد سبعة أشهر من هذا الحدث … بدأت المشكلة .
أمين … خطب لبنى !
كنا نتناول أطباق التحلية بعد العشاء حين أخبرتني والدتي بأن شقيقتها أم أمين قد خطبت لبنى يوم الأمس …
لم أستطع ابتلاع قطعة الكعك التي كانت في فمي … أخرجتها في المنديل و سألت أمي : ( أمين خطب لبنى ؟ )
كان الذهول واضحا على وجهي و سألتني أمي : ( ألم تخبرك ؟ )
لا لم تخبرني ! لا بد أنها ستخبرني ! بالطبع هي تفكر في إخباري ! ربما تأتي غدا لتتناول الغذاء معي … و تخبرني … و ننفجر ضحكا … و ينتهي كل شيء !
لكن أي شيء لم ينته !
بل بدأ …
اتصلت بها بعدما يئست من انتظار اتصالها لإبلاغي … و حاولت ألا أوجه السؤال مباشرة … لكني انتهيت الى قول : ( هل صحيح النكتة التي سمعتها من أمي ! أمين طلب الزواج منك !؟ )
بدت خجلى و مترردة في كلامها على غير العادة …. كل شيء تغير منذ تلك اللحظة … و إلى الأبد .
لم أكن أتخيل … أنني أملك هذه المشاعر الأنثوية … لم أكن أدرك أنني كنت إمرأة … لا طفلة تداعب لعبتها !
أمين … خطبها هي … و لم يخطبني أنا !
لا يمكن أن تقبل هي بذلك ! فقد كانت تسخر من أمنيتي بالزواج منه ! إنه لا يثير اعجابها … لم تقل أنه يعجبها و لا يمكن أن تقبل الزواج منه !
كانت هذه هي الأفكار التي تسيطر علي طوال الوقت .
لبنى وافقت على الخطبة و بعد أيام قليلة ستقام حفلة صغيرة لهذه المناسبة !
ماذا عني أنا ! كيف أسمح لهذا أن يحدث ؟
لماذا بدت لبنى غريبة عني ؟
انتهزت احدى الفرص قبل الخطوبة و قلت لها : ( هل تذكرين ليلة حفلة صفاء ؟ لقد بت معي في غرفتي ! أتذكرين ما كنا نتحدث عنه ؟ )
أجابتني و هي تحاول تغيير الموضوع : ( كنا نتمازح ! )
ثم استأذنت للقيام ببعض شؤونها اللازمة قبل الحفلة .
و حان موعد الحفلة ، و كان علي أن أحضر … فأنا التوأم المرافق دوما للبنى … و توقع الجميع أن أرتبط في وقع قريب و أن نتزوج في نفس اليوم !
كم كانت جميلة في فستان الحفلة …
كم تبدو الفتيات جميلات و رائعات في حفلات الخطوبة ! هل سأبدو كذلك أنا أيضا ؟
بعد خطوبتها لم تعد لبنى كما كانت .
لم أعد استطيع الإجتماع بها الا قليلا … كانت دائما مشغولة مع خطيبها و من أجل الإعداد للزواج .
كنت أراها وهي خارجة الى أو عائدة من نزهة مع خطيبها . لقد سرقها مني تماما .
حالتي النفسية تدهورت كثيرا و بدأ جسمي يهزل . بدت الحياة تعيسة في نظري . بدأت أكثر من الذهاب للحفلات و الأعراس هروبا من كآبتي . و في أحد الأيام اتصلت بلبنى اسألها إن كانت ستذهب معي لأحد الأعراس فاعتذرت لكونها مرتبطة بموعد مع خطيبها .
( حسنا ، ما دمت لن تذهبي معي فهل لا أعرتني فستانا جديدا أرتديه ! فقد حضرت مناسبات كثيرة مؤخرا و ارتديت كل ما لدي ! )
لبنى أجابت : ( آسفة ! يجب أن أحتفظ بملابسي الجديدة من أجل الزواج كما تعلمين ! )
بعد ذلك اليوم … بدأت الغيوم تتكدس فوق سمائي بكثافة … غيوم سوداء … داكنة …
بدأت أشعر بغيرة لم يعرف لها قلبي معنى ذات يوم ….
لم أدع أي لقاء بيني و بين لبنى يمر … إلا و أحدثت شجارا بسبب أو بدون … و لجأت لكثير من السخرية و الاستهزاء بها و بعريسها … و كثيرا ماذكرتها بأنها كانت تضحك منه … فكيف تقبل الزواج منه بغباء ؟
لبنى بدأت تتضايق مني و من أسلوبي الجديد في معاملتها و وصفتني بأنني لازلت طفلة كما كنت … و تدهورت علاقتنا كثيرا … للحد الذي رفضت معه حضور زفافها نهائيا .
أنجبت لبنى طفلها الأول … ثم الثاني … خلال الخمس سنوات التالية .
كنت ألتقي بها صدفة حين أزور خالتي ، و لم أكن أتحدث معها .
كنت أراقبها و هي تمارس دور الأمومة و أشعر بالغيظ الشديد … فأنا لازلت كما كنت . لو أنني قبلت الزواج من شقيق صفاء … لكان ….
و عندما ينتقل الحديث عن الشؤون الزوجية و الأمور النسائية فإنها كثيرا ما كانت تقول :
( أخبركن بالأمر لاحقا على انفراد ) تقصد في عدم وجودي أنا فقد كنت الوحيدة العزباء بين الموجودات .
أمين بدا الآن أكثر رجولة … و تضاعف إعجابي به … كما تضاعف حقدي على لبنى لأنه حظيت به …
قررت أن أوقع بينهما بأي شكل من الأشكال ….
و هداني شيطاني لطريقة بشعة … لم أتخيل أنني سأستخدمها ذات يوم … و خصوصا مع من كانت توأم طفولتي و صباي ….
كنا في خالتي أم أمين … نتبادل الأحاديث ، و لبنى مشغولة بطفليها … و أمين في الحديقة يعتني ببعض الأشجار …
تظاهرت بأنني منصرفة الى البيت ، و تعمدت ترك حقيبتي حيث كنت أجلس ، و بقيت والدتي و شقيقتيها و ابنة خالتي مشغولات بالحديث … و خرجت أنا للحديقة حيث أمين ….
كان منهمكا في تنظيم مجموعة من الزهور … اقتربت منه و قلت بصوت أنثوي شديد النعومة :
( أمدك الله بالعافية يا ابن خالتي ! كم أنت ماهر في تنسيق الأشجار ! تبدو بديعة جدا ! )
أمين ارتبك … و تلعثم قليلا ثم تمتم بعبارات الترحيب و الشكر …
قلت بمكر : ( هل لا نظمت لي باقة صغيرة من هذه الورود … وفقا لذوقك ! )
بدا أكثر اضطرابا و خجلا ، و اختار خمس وردات جميلة و قدمها إلي …
أخذتها بدلال ، و شكرته بحرارة …
عدت للداخل و أنا أحمل الزهور الجميلة … و أقول : ( لقد نسيت حقيبتي ! )
الجميع نظر للزهور في يدي ، و أمي سألتني عنها فقلت بخبث : أهدانيها ابن خالتي !
و رمقت لبنى بنظرة سامة و ابتسمت ابتسامة خبيثة …. رأيت الشرر يتطاير من عينيها …
إذن فقد نجحت !
شعرت بها تراقبني و أنا أخرج … و تطل من النافذة لتراني و أنا أقبل نحو أمين قبل مغادرتي ، و أمد إليه بإحدى الزهور قائلة : ( احتفظ بهذه ! )
التورتر نشب في علاقة أمين و لبنى بعد هذه المكيدة … و زدت الأمر اشتعالا … حيث أخذت أتصل ببيت أمين و حينما تكلمني لبنى أقول : ( أرغب بمحادثة ابن خالتي لأمر خاص )
و في أحيان أخرى أقفل السماعة بمجرد سماع صوتها .
و عندما كان أمين يرد ، كنت أحدثه بدلال بأي موضوع يخطر ببالي لحظتها …
أمين بدأ يتضايق من اتصالي و يشعر بالخطر يهدد علاقته بزوجته ، لذا قال لي ذات مرة :
( من الأفضل ألا تتصلي بي … فلبنى تتصور أمورا … )
علمت أنني أصبت الهدف فقلت ببراءة مصطنعة :
( أية أمور ؟ ! إنك ابن خالتي ! )
قال :
( نعم و لكن … أصدقيني القول … ماذا تريدين ؟ )
سأل مباشرة و دون مقدمات ، الأمر الذي جعلني أرد مباشرة و دون مقدمات أيضا :
( ماذا أريد ؟ … أريدك أنت ! )
اكتشفنا بعدها أن لبنى كانت تتصنت على مكالمتنا من سماعة أخرى لأن صوت اقفال سماعة ما قد دوي بآذاننا …
أقفل أمين بعدها السماعة ….
و كانت هي آخر مرة أسمع فيها صوته …
خرج أمين و لبنى من بيتهما متوترين بعد شجار حاد … أصرت لبنى على الذهاب لأمها ذلك الوقت ربما كانا ما يزالان يتشاجران بعنف حين اصطدمت بهما سيارة أخرى … و انتهى شجارهما للأبد … تاركين طفلين يتيمين …..
بعد أربع سنوات أخرى … طرق باب بيتنا العريس الثاني …
و الذي كنت أنتظره منذ سنين ….
رفضته …
و رفضت أن أربط حياتي بأي رجل …
سأقضي ما تبقى من عمري في رعاية الطفلين ….
ما تبقى لي … من توأمي الراحل …
——————————————————————————–