نحيلة، سمراء وآثار الحروق وضربات السياط بادية على جميع مناطق جسمها، لا يسمح لها بأكل أكثر من وجبة واحدة في اليوم ولا سبيل لها للحديث أو مراسلة أهلها، جاءت حاملة آمال عريضة بحياة وردية في أرض نفطية قيل لها إن شعبها مسلم كريم وصدى صوت تلوي أخيها المصاب بفشل كلوي ألما يدوّى في مسامعها على أمل أن تعود من تلك الأرض بمال يكفي لتسكين أناته.
وها هي تروي لـ « الوسط» يوم أمس الأوّل (السبت) قصة تعذيبها خلال تلك السنوات بعد أن علمت بأن راتبها خلال تلك السنوات لم يصل إلى أهلها كما كانت تدعي تلك العائلة وبات هاجس موت أخيها يطاردها منذ ذلك الحين وهاهي ترغب في العودة وجل ما تحمله مجرد رضوض وحروق وذكريات لمجتمع قيل إنه كريم إلا أنه ظلمها من دون سبب.
بلكنة عربية ركيكة، سردت « أسماء» قصتها منذ اليوم الأوّل وحتى لحظتها هذه، والتي بدأت بوصولها إلى أسرة بحرينية في المنطقة الوسطى تمتلك نادياً رياضياً، وما أن تدق الساعة الخامسة فجراً حتى تصحو أسماء لإنهاء أعمالها في منزل يتكون من أسرتين من دون أن يكون لها الحق في تناول فطورها أو ما تبقى من فطور تلك العائلة في أقل تقدير، وعلى عجالة عليها الانتقال للنادي الذي تمتلكه تلك العائلة لتنظيفه والعودة مجدداً لتنظيف ذلك البيت من دون أن يكون لها الحق أيضا في تناول وجبة غدائها أو ما تبقى من غدائهم في أقل تقدير.
رعاية الأطفال، غسل، وكي، ومسح، وطبخ وكل ما يتعلّق بهذا المنزل كان من ضمن مسئوليتها وفي مقابل ذلك كان عليها تحمّل مزاجية وغضب كلّ فرد فيها، وعل جسمها خير شاهد على تلك المزاجية فبين الرضوض والكسور والحروق قضت أسماء أربع سنوات من عمرها ولم يكن لها الحق في مراسلة أهلها أو الحديث معهم هاتفياً كما وليس من حقها سوى النوم لأربع ساعات فقط.
من العذاب لمركز الشرطة
ومركز الإيواء
وبنبرة يلفها شعور بالظلم تشرد بذهنها لتسرد أصعب اللحظات والتي تكون مجبرة فيها على تحمل قسوة ابن تلك العائلة وضرباته وألفاظه المهينة مقابل الحفاظ على شرفها وسمعتها التي كانت مهددة بالاغتصاب في كلّ يوم، إلى أنْ جاء اليوم الذي ألقوا بها بلا رحمة على قارعة طريق في أرض غريبة ولم يكن أمامها سوى اللجوء إلى أقرب مركز شرطة؛ لتقضي أسماء ليلتين فيه وصفتهما « بالأرحم» من ليالي ذلك البيت ويبدأ مشوارها للمطالبة بحقوقها للعودة لوطنها وأهلها.
منذ ثلاث سنوات دشنت جمعية حماية العمالة الوافدة مركزاً للإيواء توافد له زهاء الـ 300 حالة منذ ذلك الحين، ورغم تأكيد رئيسة لجنة الدعوى في الجمعية ماريتا دايس على أتسام مجتمع البحرين بالتكافل والإنسانية في التعامل مع الوافدين، إلا أنّ هناك ناقوس خطر يدق مع تزايد مثل هذه الحالات والتي كانت موجودة في السابق إلا أنّ الإعلام لم يكن يسلط الضوء عليها.
وما يزيد الطين بله على حد قول دايس أنّ بعض الدول المصدرة للعمالة الوافدة لا تمتلك سفارات، الأمر الذي يسهم في عرقلة الحفاظ على حقوق عمالتها، في الوقت الذي لفتت فيه عضو الجمعية نورا فليفل بأنّ المشكلة تكمن في ضعف العمالة الوافدة ولاسيما السيدات منهن ونفي العائلات لكلّ التهم الموجه لهم في معظم الحالات.
وأضافت دايس بأنّ العمل التطوعي يقلل من فرصة توثيق الإحصاءات فضلاً عن قلة عدد المتطوعين وحاجة المجتمع إلى توعية فيما يتعلّق بحقوق العمالة الوافدة بقدر واجباتهم. وبدأت رحلت أسماء بانتهاء آلامها في ذلك المنزل إلى مركز الشرطة ومن ثم إلى مركز الإيواء التابع للجمعية والتي رفعت تقريراً طبياً بحالتها، ولعل كلمات تلك العائلة ما زالت ترن في مسامعها عن حرق جواز سفرها ومنعها من السفر حتى يشيب شعرها (…)، وها هي تقف اليوم لا تطلب سوى تذكرة سفر وحقوقها المالية وقليل من الإنصاف في هذه الأرض..
الله يكون في العون