‘كان هناك ضفدع يقفز بين أوراق الأشجار الطافية بعد أن أغرق ماء النهر بفيضانه
الأرض حوله، فلمحالضفدع عقربًا يقف حائرًا على أحد الصخور، والماء يحيط به من
كل جانب، قال العقرب للضفدع: يا صاحبي ألا تعمل معروفًا وتحملني على ظهرك
لتعبر بي إلى اليابس فإني لا أجيد العوم، ابتسم الضفدع ساخرًا وقال: كيف أحملك
على ظهري أيها العقرب وأنت من طبعك اللسع؟ قال العقرب في جدية: أنا ألسعك؟!
كيف وأنت تحملني على ظهرك، فإذا قرصتك مت في حينك وغرقت وغرقت معك؟
تردد الضفدع قليلاً وقال للعقرب: كلامك معقول ولكني أخاف أن تنسى. قال العقرب:
كيف أنسى يا صديقي، إن كنت سأنسى المعروف، فهل أنسى أني معرض للموت؟
هل أعرض نفسي للموت بسبب لسعة؟! بدت القناعة على الضفدع بسبب
لهجة العقرب الصادقة، فاقترب منه، فقفز العقرب على ظهره وسار الضفدع في النهر
يتبادل الحديث الهادئ مع العقرب الساكن على ظهره، وفي وسط النهر تحركت أطراف
العقرب في قلق، وتوجس الضفدع شرًا، فقال للعقرب في ريبة: ماذا بك يا صديقي؟
قال العقرب في تردد وقلق: لا أدري يا صديقي، شيء يتحرك في صدري. زاد الضفدع
من سرعته عومًا وقفزًا في الماء، وإذا به يستشعر لسعة قوية في ظهره، فتخور قواه
بعد أن سرى سم العقرب في جسده، وبينما يبتلع الماء جسديهما نظر الضفدع إلى
العقرب في أسى وهو يبتلع الماء ليغرق، فقال العقرب في حزن شديد قبل أن يبتلعه
الماء: اعذرني… الطبع غلاب يا صاحبي’
ترى لماذا تصرف العقرب بهذه الطريقة؟ هل لأنه كان يحب فعلاً أن يلسع الضفدع أو
يهلك نفسه؟! كلا، ولكن العقرب تعود منذ مولده أن يتصرف بطريقة معينة حيال أي
كائن حي يحتك به ، هي أن يلسعه لأنه خطر عليه، وهذا ما نسميه بالعادة، فالعادة
هي سلوك متكرر يصدر من الشخص بصورة لا إرادية نتيجة قناعة ترسخت في
عقله الباطن عبر السنين.
خطورة العادات:
وتنبع خطورة العادات من أنها تتحكم تمامًا في سلوكيات الإنسان وبالتالي تتدخل
في كل لحظة من لحظات حياته، فالإنسان في الحقيقة ما هو إلا مجموعة من العادات،
كما تقول الحكمة القديمة: ‘اغرس فكرة احصد فعلاً، اغرس فعلاً
احصد عادة،اغرس عادة احصد شخصية ، اغرس شخصية احصد مصيرًا’
فالعادات في النهاية هي التي تحدد مصير الإنسان ـ بإرادة الله تعالى ـ في الحياة سواء
كان النجاح أم الفشل. مثال: إنسان لديه عادة التسويف والكسل.
كيف تكونت لديه هذه العادة؟
1ـ شب منذ صغره فرأى أباه أو أمه يكسلون عن واجباتهم، ويسوفون أعمالهم0000فكرة.
2ـ بدأ يمارس نفس هذا الأفعال التي رآها من والديه00000فعل.
3ـ بتكرار الفعل ومع مرور السنين تكون لديه سلوك الكسل 00000عادة.
ـ ما رأيك إنسان عنده عادة التسويف والكسل وإيثار الدعة والراحة على العمل الجاد
الدءوب، فكيف سيكون ذلك مؤثرًا على حياته؟
لا شك أنه سيحصد شخصية كسولة تقوده إلى مصير الفشل الذريع.
وعلى العكس من ذلك إنسان لديه عادة الجدية والالتزام، وبدأ يمارس نفس الأفعال
ومع الممارسة لأفعال الجدية وحب النشاط والعمل ترسخت في نفسه تلك العادة،
فحصد شخصية جادة نشيطة منضبطة لابد أن تقوده في النهاية إلى مصير النجاح بعون
الله تعالى.
إذن فنجاح الإنسان وخروجه من نفق الفشل مرتبط بعاداته ، فللنجاح عادات كما أن
للفشل عادات.
هل من الممكن تغيير العادات؟
عندما انطلقت السفينة [أبوللو 2] في رحلتها إلى القمر، تجمد المشاهدون على
شاشات التلفاز وفي محطة الإطلاق في أماكنهم ،حينما رأوا أول إنسان يمشي
على القمر ثم يعود إلى الأرض، ومن أجل الوصول إلى هناك كان على رواد الفضاء في
تلك السفينة أن يتخلصوا من أكبر عائق في طريق الوصول ألا وهو قوة الجاذبية الأرضية،
ومن أجل ذلك تم تحميل تلك السفينة على صاروخ فضائي ذي مراحل مختلفة، استخدم
هذا الصاروخ في المرحلة الأولى للإطلاق كمًا هائلاً من الطاقة في الدقائق الأولى
من الإطلاق خلال الأميال الأولى القليلة من الرحلة، يزيد عما استخدم في غضون
الأيام التالية لقطع مسافة حوالي نصف مليون ميل ، وذلك للتخلص من أسر الجاذبية الأرضية.
وعادات الإنسان أيضًا لها قوة جذب هائلة لأنها القناعات التي نتجت عنها قد استقرت
في أعماق العقل الباطن عبرالسنين، ولكن مع ذلك يمكن تغييرها بالجهد والمتابعة،
ومع أن ذلك يستغرق جهدًا جبارًا في أول الأمر، لكننا بعد ذلك يخف الأمر علينا بعد أن
نشعر بالتخلص من أسر هذه العادات وما لها من آثار سلبية على حياتنا، والرائع في
الأمر أننا عندما نستبدل عادات الفشل بعادات النجاح، فإن عادات النجاح أيضًا تكون
لها نفس تلك الجاذبية القوية، بمعنى أننا لن نستطيع التخلي عنها بسهولة مما
يحتم علينا أن ننجح ولو رغمًا عنا، فالعادات إذن لها قوة جذب هائلة وبإمكانك أن تسخر
تلك القوة لتعمل لصالحك، أو تسخرك هي لنفسها لتعمل ضد نفسك، فالعادات
يمكن تغييرها جزمًا، وهذا مقتضى
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]
دمتم بخير
منـــقول