والحق أن إعلان مصر هذا، على أهميته وجذريته، يبقى ناقصاً ما لم تحذ الدول العربية الأخرى، ولاسيما دول الخليج العربي، حذوها، بإعلان مماثل، يضع النقاط على الحروف، ويحدّد منهجية واضحة في التعامل مع هذا التنظيم وأذرعه الممتدة هنا وهناك.
ومثل هذا الإعلان ينبغي أن يصدر من إدراك عميق وحقيقي للخطر الذي يشكله التنظيم الدولي على جميع الدول العربية، بل ومن إدراك أن ما جرى في فترات سابقة من “احتضان” هذا التنظيم أو بعض رموزه، لحجج واهية أو متسرعة، كان خطأ تاريخياً سمح للتنظيم بأن يخرج من وكره في مصر ويتحول بالفعل إلى تنظيم دوليّ قادر على تيهديد كلّ واحدة من الدول التي يتواجد أو يطمح بالتواجد فيها. ولا ينبغي أن يثنينا ما نراه في بعض الدول العربية التي تكرر الآن ذلك الخطأ التاريخي بحذافيره، من أن نمضي في المسيرة – مسيرة مواجهة تنظيم الإخوان والقضاء عليه – حتى نهايتها، وإلا فإننا نجازف بأن نورث الأجيال المقبلة ما ورثناه نحن من أزمات وتحديات بسبب وجود هذا التنظيم.
وإذا كانت بعض الدول الغربية، بدت مترددة أو متريثة أو حتى شاجبة لإعلان مصر الإخوان تنظيماً إرهابياً، بذريعة “حقوق الإنسان” تارة، و”العملية السياسية” تارة أخرى، وإذا كانت تلك الدول تنسى أو تتناسى أن كلّ التنظيمات الإرهابية، وفي طليعتها القاعدة، التي اكتوت بنارها، خرجت من رحم هذا التنظيم، فإن هذه الحقيقة باتت ساطعة سطوع الشمس في المنطقة العربية، ولم يعد ينفع دفن الرؤوس في الرمال، وزعم “تمييزات” أيديولوجية أو سياسية وهمية بين الإخوان، وما تفرع ويتفرع منها من تنظيمات وجماعات إرهابية حول العالم.
لقد كان تنظيم الإخوان أول من أساء لـ “العملية السياسية” و”الديمقراطية”، وكان أول من أخفق في الدخول في هذه العملية، وأول من افتقر إلى الحدّ الأدنى من الإقناع في ممارسته السياسة، ولم يكن السبب في ذلك، كما يقول بعض مؤيديهم وبعض مناوئيهم على السواء، ثقافة السجون التي نشأوا عليها، وعدم اعتيادهم الحياة المدنية الديمقراطية، بل السبب أكثر بنيوية من ذلك، وهو يكمن ويتجلى في فكر الجماعة وأيديولوجيتها، وفي اعتمادها العمل السريّ والباطني، عماداً أساسياً من أعمدة وجودها واستمرارها. تلك السرية التي تحتضن دوماً أجندة خفية تضع مصلحة الجماعة فوق مصلحة الشعب والوطن وحتى “الأمة” التي تزعم الدفاع عنها والعمل من أجلها.
أجل، لقد سقطت ورق التوت الأخيرة، وانكشفت عورة الإخوان على حقيقتها، سواء في بعض دول الخليج، حيث حاول التنظيم بثّ سمومه ومارس مؤامراته الدنيئة، ليس ضدّ أنظمة المنطقة فحسب، بل ضدّ شعوبها أيضاً، أو في مصر نفسها، حيث لم يجد التنظيم حرجاً في توظيف واجهات تنظيمات “جهادية” (تسمي نفسها زوراً وبهتاناً كذلك) وأعطاها الضوء الأخضر، والدعم المادي واللوجستي، لكي تحاول بالعنف، والعنف وحده، إحداث الفوضى والخراب، ومنع استكمال العملية السياسية، وصولاً نحو تحقيق أهداف ثورة 30 يونيو.
لقد قامت مصر أخيراً بهذه الخطوة.
والدور الآن على بقية الدول العربية، وخاصة دول الخليج، لا في استكمال دعمها لمصر عبر تبني هذه الخطوة فحسب، بل في أن تحذو حذوها، وتمنع التاريخ من أن يعيد نفسه مرة أخرى.
Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:”Table Normal”; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:””; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:”Calibri”,”sans-serif”; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;}