د.علي بن تميم
إذا كان من صفة تشتهر بها السياسة الخارجية لدولة الإمارات، فهي شدة تعقلها وهدوئها وعدم انجرارها وراء المواقف العاطفية أو الانفعالية. ومن هنا ينبغي أن يتأمل المرء بهدوء الموقف الذي أعلنته دولة الإمارات اليوم باستدعاء السفير القطري احتجاجاً على تخرصات المدعو القرضاوي بحقها.
هذا الموقف جاء، مثلما أوضحت الخارجية نفسها، بعد محاولات بذلت مع دولة قطر لتفادي تصعيد الموقف، ومحاولة الوصول إلى نوع من التفاهم المشترك، وفض الاشتباك الذي يتجاوز في حالة القرضاوي أدبيات الخطاب أو حتى الانتقاد إلى التحريض “الإرهابي” المباشر على دولة الإمارات وشعبها، وكل القاطنين على أرضها، باستجلاب القوى الإرهابية إليها تحت شعار أن الإمارات “تحارب الإسلام”. فبصرف النظر عن التطاول المعنوي لتاجر دم وفتنة مثل القرضاوي على دولة لطالما افتخرت بإسلامها وعروبتها مثل الإمارات، فإن المسألة في نهاية المطاف مسألة علاقات بين دولتين، وكيفية إدارة هذه العلاقات بما يحفظ كرامة كل من الدولتين وأمنهما ومصالحهما.
وجهة النظر الإماراتية بسيطة لا تحتاج إلى تأويل: القرضاوي وبصرف النظر عن الجنسية التي يحملها، تكلم على منبر قطري، وعبر التلفزيون الرسمي القطري، وكانت إساءته واضحة مباشرة لا تحتمل التأويل أيضاً تجاه الإمارات. المخرج القطري للمسألة كان: بيان “خفي” لا يتم ذكره حتى عبر قناة الجزيرة، ويقال (كما لو أنه شائعة) إن وزير الخارجية القطري قال فحواه عبر التلفزيون الرسمي، يلي ذلك تغريدة منسوبة إلى التلفزيون لا تدين القرضاوي ولا توفر أيّ ضمانات بعدم تكرار تخرصاته، بل تقول فحسب إن هذا القرضاوي لا يمثل دولة قطر وإن الموقف القطري إنما يجري التعبير عنه عبر القنوات الرسمية.
ولعلّ هنا بالضبط تكمن المسألة: لماذا لم تعبر قطر عن موقفها هذا عبر قنواتها الرسمية؟ لماذا لم تقل قطر إنها ترفض كلام القرضاوي وتحريضه المستعر على دولة الإمارات؟ لماذا لم يخرج أيّ موقف قطري “رسمي” يدين هجوم القرضاوي على الإمارات، ويعد بعدم تكرار مثل هذا الأمر؟
لقد حرصت الإمارات على استيعاب الموقف رغبة منها في إيجاد حلّ منطقي للقضية، وكان بإمكان دولة قطر، لو أرادت بالفعل “الاعتذار”، ولو غير المباشر من الإمارات وشعبها، أن تساهم في إيجاد المخرج الدبلوماسي المناسب لو أنها قرأت بجدية وتعقل ما يرمي إليه القرضاوي من حملته ضدّ الإمارات، إلا أنها آثرت أن تمسك بالعصا من الوسط، فتقول إن كلام القرضاوي لا يمثلها، في الوقت الذي لا تقدم فيه أيّ موقف من هذا الكلام موضوع الخلاف.
يدل الموقف القطري أن الرومانسية السياسية لا تنفع ولا تقدم أو تؤخر في أزمنة الحسم، وقد حسمت قطر (حتى الآن) خيارها الغامض غير الواضح الذي لا يقدم ولا يؤخر، وظل على أرضية هشة لا صلبة، سطح متزلق لا يقول شيئا إزاء ما تلفظ به القرضاوي، ومن هنا فإن هامش التحرك القطري يبدو شديد الضيق، إذ أنه محكوم على الأغلب بالمعركة الإخوانية الكبرى التي يراها التنظيم الدولي للإخوان معركة حياة أو موت
.
لقد قالت الإمارات، اليوم، كلمتها. قالت بوضوح إن حكمتها وصبرها ووسطيتها وتفهمها، كل هذا لا يعني أن ترضى بأي تسوية حول قضية الإخوان، ذلك المشروع الشيطاني الهادف إلى هدم كلّ شيء في العالم العربي. قالت الإمارات كلمتها بصوت عال واضح، وعلاني، ويبقى على الآخرين فهم هذه الكلمة، والاتعاظ مما جرى، وعدم الركون إلى أن الإمارات الواضحة في الحق، الصلبة في الموقف، يمكن أن ترضى بالصمت أو بالتراخي، لاسيما حين يتعلق الأمر بأمن شعبها وأهلها الذي تضعه الإمارات فوق كلّ قضية وكلّ اعتبار.
وشكرا على الطرح الممتاز تقبل مروري اخوك طالب بكلية الحقوق اكدال الرباط