الإيجارات تفرض أجواء العزوبية على المتزوجين
تشهد أسعار الوحدات التجارية والسكنية في مدينة الذيد ارتفاعا ملحوظا، لا سيما الشقق السكنية في المباني القديمة المستأجرة منذ سنوات وفقاً لعقود قديمة مبرمة مع الملاك، التي تنتهي في غضون أشهر، في حين باتت مشكلة السكن تشكل أزمة حقيقية لها تداعياتها وآثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية في شريحة واسعة من السكان وافدين ومقيمين، حيث ارتفع سعر إيجار الشقة السكنية إلى 300% دفعة واحدة، بواقع 3 أضعاف خلال العام الجاري، الأمر الذي شكل مزيدا من الضغوط على السكان، وأضحى يهدد استقرار الأسر.
واشتكى عدد من سكان مدينة الذيد الحال الذي آلت إليه أمورهم، خاصة بعد مطالبة ملاك البنايات التي يقطنونها بدفع الإيجارات الجديدة غير المسبوقة التي حددوها لهم، التي أرهقتهم وأضحت تشكل عبئاً مادياً جديداً بالنسبة لهم من جهة، وتشكل كابوساً يهدد استقرارهم، منوهين بأن البعض اضطروا إلى تسفير عائلاتهم والبقاء بمفردهم، كحل إجباري لمواجهة ظاهرة الارتفاع غير المتوقع في الايجارات.
أكد عدد من سكان الذيد أن انخفاض القيمة الإيجارية للوحدات السكنية في الذيد، هو ما شجعهم منذ فترة قليلة مضت على الإقامة فيها، موضحين أن أسعار العقارات في الذيد والمناطق الأخرى النائية أضحت توازي مثيلاتها في المدن الرئيسية، خاصة بعد الموجة التي اجتاحت قطاع العقارات في المدينة، والقفزات المتتالية في أسعارها، في حين كانت المخرج والسبيل الوحيد لكثير من العائلات المواطنة والوافدة من ذوي الدخل المتوسط والمحدود على حد سواء، والتي لجأت إليها لمواجهة ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية المتراكمة في المدن الرئيسية.
أمر غير متوقع
وأوضح حسام الذي يعمل موظفاً في بلدية الذيد، أنه يقطن في بناية منذ أربع سنوات مع أسرته، ويدفع ما يقارب 8 آلاف درهم سنوياً، لافتاً إلى أنه فوجىء منذ فترة قصيرة بالمالك يبعث إخطاراً إلى المستأجرين برفع القيمة الإيجارية في حال انتهاء العقد إلى 40 ألف درهم، أي بنسبة زيادة تقارب 400%، وهو أمر غير متوقع أو معقول.
وأكد أنه لن يستطيع توفير هذا المبلغ نظراً لكونه يفوق دخله بكثير، وأنه حاول مع بقية السكان إقناع المالك بالعدول عن رأيه لكن دون جدوى، مشيراً إلى أن هذ القرار سيدفع به إلى تسفير عائلته إلى بلده والبقاء هنا وحيداً، ولافتاً في الوقت ذاته إلى ارتفاع أسعار بقية الشقق في المدينة، بشكل كبير وخلال فترة وجيزة.
وأشار أيضاً إلى دور المكاتب العقارية التي انتشرت في أرجاء المدينة وبكثرة، وعلاقتها في الزيادات التي طالت قطاع الإسكان عامة، علاوة على دورها المتمثل في التحكم بأسعار الوحدات السكنية، وهو ما زاد الوضع تعقيداً، مطالبا بمراعاة أحوال الناس قياساً مع واقع المكان وبعده عن المدن الرئيسية.
وقال ياسر العراقي، الذي يعمل موظفاً في بلدية البطائح، إنه يقيم في إحدى الشقق بالذيد منذ خمسة أعوام، وإن عقد الإيجار المبرم مع المالك على وشك الانتهاء، لافتا إلى أنه يدفع إيجارا سنويا قديما يبلغ 8 الآف درهم، في حين أن المالك يطالبه هو وباقي السكان بدفع مبلغ 35 ألف درهم، في حال انتهاء عقد الإيجار القديم، وقد وافق المالك على خفض الإيجار إلى 25 ألفا، بعد سيل من المحادثات والمفاوضات معه، فيما بعض الملاك يطالبون بإيجار سنوي قدره 50 ألف درهم، وهو أمر مستغرب كون مدينة الذيد لم تشهد مثل تلك الأسعار، التي لا تخطر على بال أحد يوماً من الأيام.
وأضاف أن ارتفاعا كبيرا بهذا الحجم، أمر لا يمكن أن يلبى، لا سيما وأن الراتب الذي يتقاضاه لا يتحمل تلك الزيادة الكبيرة، مبينا أن لديه التزامات متعددة منها وجود عدد من أبنائه الملتحقين بالمدارس، بالإضافة إلى زيادة أسعار معظم الخدمات والسلع الاستهلاكية.
البقاء وحيداً
إلى ذلك، أوضح عمار العمري الذي يعمل موظفاً حكومياً في المدينة، أنه اضطر لتسفير عائلته بعدما فرض المالك عليه رفع الإيجار، ففضل البقاء بمفرده، نظرا لكونه لا يستطيع تحمل النفقات المتراكمة في شتى المجالات، منوها بوجود العديد من الموظفين الذين اجبروا على ترحيل عائلاتهم والبقاء بمفردهم لمجاراة الزيادات التي عمت المناطق النائية، حتى أضحت في ميزان إيجارات المدن الرئيسية.
وطالب بضرورة وضع قانون يحدد نسبة معينة، كزيادة سنوية، وعدم ترك الحبل على الغارب في خضم معاناة طالت الشريحة الأكبر في الدولة، وأصبحت تهدد استقرارها، مما قد ينتج عن هذا الأمر خلل في التركيبة السكانية، التي تسعى الدولة جاهدة لضبطها والسيطرة عليها، لا سيما وأن المجتمع الإماراتي أصبح مجتمعا ذكورياً، وذلك مرده إلى الزيادة الكبيرة لأعداد الذكور على الإناث.
من جانبه، قال علي خالد مدير مكتب عقارات في مدينة الذيد، إن أصحاب المكاتب العقارية ليسوا السبب الرئيسي وراء ارتفاع الإيجارات في الذيد، بل هم الملاك الذين يحددون الأرقام التي يرونها مناسبة، ونحن نقف عاجزين عن فعل شيء سوى الموافقة على طلباتهم، مؤكداً الارتفاع الحاصل في أسعار الشقق السكنية، والذي تجاوز حد ال 300%، بواقع ثلاثة أضعاف خلال العام الجاري. وأشار إلى وجود أسباب كثيرة وراء ارتفاع إيجارات الوحدات التجارية والسكنية في الذيد بشكل عام، التي تتمثل في قلة العرض وزيادة الطلب، لا سيما من قبل العائلات من ذوي الدخل المتوسط والمحدود القادمة من المدن الرئيسية، والتي وجدت في الذيد ملاذاً آمنا لانخفاض أسعارها قياسا بغيرها من المدن، ولبعدها عن الازدحام، ولهدوء أجوائها بشكل عام.
وأضاف أن موضوع توقف عمليات البناء في انتظار المخطط العمراني الجديد من قبل الجهات المسؤولة، قد ساهم في اضطراب سوق العقارات في الذيد، إلى جانب العمليات الإنشائية والتوسعة التي تتضمن الطرق الرئيسية في المدينة المزمع البدء بها.
وقال الدوس إن تأخر إمدادات الكهرباء للمباني المنجزة يعتبر عاملا مهما ورئيسيا في ارتفاع الأسعار، الذي اتسع نطاقه ليشمل معظم المناطق النائية والبعيدة المجاورة للذيد، مشيراً إلى أن البيوت القديمة في منطقة فلج المعلا تحديداً، وصل سعرها إلى 50 ألف درهم هذا العام، في حين كان لا يتعدى 7 آلاف درهم العام الماضي. وبيّن أن هذه الأمور مجتمعة، ساهمت في إحجام المستمرين بشكل واضح والامتناع عن الاستثمار، وذلك على الرغم من موقعها الاستراتيجي على خارطة الدولة، مؤكداً في الوقت ذاته أن مكاتب العقارات تتقاضى عمولة بنسبة 5% فقط، فهي ليست سبب الارتفاع الجنوني في أسعار الشقق.