أكمل اليوم الشهر الثامن، وأنا في هذه الظلمة الحالكة، مللت العيش في هذا القفص الضيق، سأخرج من هذا السجن مهما كلفني الأمر، لن أبقى صامتاً مدة أطول.. سأبدأ بدق الجدار.
وما إن رفسته رفسة واحدة، حتى قلبت الدنيا رأساً على عقب وانهالت علي اللكمات من كل جانب.. لم أنم يومها من شدة الألم.. لذا قررت أن أضرب عن الطعام وقمت بعقد الحبل السري لمدة ألف نبضة حتى كدت أن أموت من شدة الجوع..
شعرت حينها بانتكاسة، كوني مهمشا، ولأن أحداً لم يعرني اهتماما، وقررت في اليوم التالي رسم خطةٍ للخروج وقمت بضغط الجدار بيديّ الاثنتين وأخرجت قدمي برفسة إلى الأسفل، وفعلاً ما هي إلا نبضات قليلة إلا وأنا أخرج قدمي..
شعرت حينها بسعادة لا توصف لمجرد شعوري بالحرية، ولكن حدث ما كنت أخشاه.. لأنني ما كدت أخرج قدمي حتى شعرت بأن أحداً ما، بدأ يسحبني للخارج
لأول مرة أشعر بالحنين لهذا القفص المظلم وبدأت أمسك بطرفه والأيدي تسحبني للخارج.. حاولت أن أفهم صاحب الأيدي أني غيرت رأيي، وقررت البقاء، لكن أحداً لم يتفهم أبداً.. أحسست أني أتمزق من شدة السحب، كل محاولاتي للبقاء باءت للفشل…
وكم كنت (خانقاً) على ذلك المخلوق الذي سحبني سحبة واحدة، وهو يبتسم، وأسنانه الملونة تحاول الخروج من فمه… تخيلوا حتى الحبل السري الرابط الوحيد الذي يربطني بذلك القفص، قام بقصه دون استشارتي وحتى أنه لم يطلب رأيي…
ولم أفهم ما قاله بالضبط، كان يقول بصوت عالٍ، وبلغة لا أفهمها:
– مبروك، طفلة.. ماذا ستسمونها؟
– فرح
علمت مؤخراً أن عليّ أن أقبل به رغماً عني، اللعنة، من الذي أعطاهم الحق بتسميتي؟ لماذا يتخذ الكل قرارات نيابة عني ولا أُستشار حتى باسمي.
كنت أشعر بالظلمة مع أن النور كان يشع بكل أرجاء الغرفة.. ما هذا العالم الذي أراه.. مخلوقات غريبة ترتدي زياً أبيض.. عيون كثيرة ترقبني، تنتظر مني أي حركة لتضحك حتى ولو كنت أمارس الحمق، فالكل يضحك من حولي..
شعرت بالخوف وبرغبة بالبكاء بسبب تلك الأدوات الحادة التي يحملونها ولكني قررت أن أصمت وأن أراقب فقط.
أخيراً.. وبعد اثنين وخمسين سنةٍ رجعت لذلك القفص المظلم، بعد عمر من الصمت.. ليتني بكيت في ذلك اليوم.. وليت ذلك المخلوق تركني أرجع للقفص الذي كنت أعيش فيه.
وان شاء الله …
بتشوف اللي يرضيك …
ويستفيد منه الكل