الفقر… قد يؤدي بصاحبه إلى التهلكة إن لم تصاحبه ثقة كاملة بعدالة الخالق وحكمته في توزيع الأرزاق
يعتبر الفقر من اخطر المشاكل التي تعاني منها بعض دول العالم الاسلامي، وتهدد امنها وسلامتها، وذلك نتيجة لعدم قدرة هذه الدول على استغلال مواردها الطبيعية على الوجه الامثل، ونتيجة للكوارث الطبيعية التي تتعرض لها من حين إلى اخر ولاسباب اخرى كثيرة، اخرها الهزة الاقتصادية التي ضربت العالم بعنف في الآونة الاخيرة.
نتج عن كل ذلك معاناة هذه الدول من آثار الفقر واضراره سواء اكان ذلك على مستوى الفرد ام على مستوى الجماعة، وشعور هذه الدول بالحاجة الدائمة إلى المعونة والمساعدة من الاطراف المحيطة بها.
للاسلام مواقفه الرائعة، وسياسته الحكيمة الرائدة من مواجهة ومعالجة هذه المشكلة والقضاء على جذورها واسبابها حتى لا تستغل كسلاح من الدول الغنية للتحكم والسيطرة على الدول الفقيرة واستعبادها في معظم جوانب الحياة.
الفقر والعقيدة
الفقر من اخطر الآفات على العقيدة، وبخاصة الفقر المدقع الذي يجانبه ثراء فاحش، إذا كان الفقير هو الساعي الكادح، والمترف الثري هو القاعد، فالفقر حينئذ مدعاة للشك في حكمة التنظيم الالهي للكون، والارتياب في عدالة التوزيع الالهي، وبالتالي فإن الفقر ان لم يصاحبه ايمان قوي وثقة كاملة بعدالة الخالق وحكمته في توزيع الرزق فانه قد يؤدي بصاحبه إلى التهلكة وضعف العقيدة وتشتتها، فالله سبحانه وتعالى كما يبتلي الانسان بالغنى والثراء قد يبتليه بالفقر والحاجة، قال تعالى: «ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون» (الانبياء: 35). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ في دعائه من شر الفقر مقترنا بالكفر، فكان يقول: «اللهم اني اعوذ بك من الكفر والفقر واعوذ بك من عذاب القبر».
الفقر والأخلاق
الفقير المحروم كثيرا ما يدفعه بؤسه وحرمانه إلى سلوك ما تأباه الفضيلة والخلق الكريم من سرقة ورشوة وتزوير ونصب وزنا وقتل وغير ذلك من الجرائم التي نهى عنها الاسلام.
ومن ثم فإن الفقر يعتبر من الاسباب المؤدية إلى الفساد الاجتماعي والاخلاقي.
الفقر والفكر
من المؤكد ان الفقر من العوامل المؤثرة تأثيرا مباشرا في فكر الانسان، فالفقير الذي لا يجد ضرورات الحياة وحاجاتها لنفسه واهله وولده قد لا يستطيع ان يفكر تفكيرا دقيقا، وكيف يفكر وهو مشتت الذهن مشغول البال؟ فلا يكون حكمه سديدا فيما يعرض عليه من امور.
الفقر والأسرة
والفقر خطر على الاسرة من نواح عدة، ففي تكوينها نجده مانعا من اكبر الموانع التي تحول بين الشباب وبين الزواج ومسؤولياته، ولهذا اوصى الاسلام امثال هؤلاء بالعفاف والصبر حتى تواتيهم القدرة الاقتصادية، قال تعالى: «وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله» (النور: 33).
كما نرى البعض يعرضون عن تزويج فتياتهم من راغب الزواج إذا كان رقيق الحال قليل المال، وهو داء قديم عرض له القرآن الكريم ونصح الآباء ان يعدلوا موازينهم في اختيار الرجال ويقوموهم بالصلاح لا بالمال وحده، قال تعالى: «وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم» (النور: 32).
كما ان الفقر قد يؤدي إلى التفريق بين المرء وزوجه على كرهٍ منه وربما على كرهٍ منها، وفي العلاقات الاسرية بين افراد الاسرة نجد الفقر كثيرا ما يكدر صفاءها، بل قد يمزق اواصر المحبة بينهم، وقد سجل القرآن حقيقة تاريخية رهيبة هي ان بعض الآباء قتلوا اولادهم تحت وطأة الفقر او خشية منه، فأنكر القرآن الكريم هذا الامر اشد انكار وحذر منه ابلغ تحذير، قال تعالى: «ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم» (الانعام: 151) وقال تعالى: «ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم» (الاسراء: 31).
الفقر والاستقرار
فالفقر خطر على امن المجتمع وسلامته واستقرار اوضاعه، فقد يؤدي إلى انتشار البطالة بين افراد المجتمع، واثارة الحقد والكراهية في نفوس الناس ما يحدث الفتن والاضطرابات، ويقوض اركان المحبة والاخاء بينهم، كما ان للفقر اخطارا سيئة على الصحة العامة لما يتبعه عادة من سوء التغذية، وسوء السكن، وسوء الصحة النفسية ولما يلازمه عادة من الضجر والتبرم والقلق والسخط وفي ذلك كله خطر على انتاج واقتصاد الدول.
وسائل العلاج
اعلن الاسلام الحرب على الفقر وشدد عليه الحصار ورصد له كل مرصد، درءا لخطره على العقيدة وعلى الاخلاق والسلوك، وحفاظا للاسرة وصيانة للمجتمع، وعملا على استقراره وتماسكه وسيادة روح الاخاء بين ابنائه، فلا يجوز في نظر الاسلام ان يعيش فرد في مجتمع اسلامي ولو كان من اهل الذمة جائعا او عاريا او مشردا او محروما من المأوى او من الزواج وتكوين الاسرة، ولذلك قام الاسلام باقرار العديد من الوسائل التي تعالج الفقر وتكفل المعيشة المتكافئة لابنائه ومن هذه الوسائل:
اولا: العمل
فقد طالب الاسلام كل انسان في المجتمع المسلم ان يعمل وهو يعيش في الارض ويأكل من رزق الله تعالى، قال تعالى: «هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور» (الملك: 15).
وقد عالج الاسلام البواعث والمعوقات جميعها التي تثبط الناس عن العمل والسعي، فقد خاطب المسلمين على ان التوكل على الله لا ينافي العمل واتخاذ الاسباب، وشعار المسلم في ذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم – «اعقلها وتوكل». ومن الناس من يترك العمل بحجة التبتل والانقطاع للعبادة، وهؤلاء علّمهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – ان لا رهبانية في الاسلام فقال: «ما اكل احد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يده».
اما الذين يتركون العمل استهانة به واحتقارا له، فقد رفع الاسلام قيمة العمل، فقال صلى الله عليه وسلم «لان يأخذ احدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير من ان يسأل الناس اعطوه او منعوه».
اما الذين يدعون العمل اعتمادا على اموال الزكاة والصدقات فقد بين الاسلام ان هؤلاء ليس لهم حق فيها كما جاء في الحديث الشريف «لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب». ومن الناس من يدع العمل عجزا عن تدبير عمل لنفسه مع قدرته وقلة حيلته، فهذا اوجب الاسلام على افراد المجتمع ان يعاونوه في ذلك واولي الامر بخاصة.
> ثانيا: كفالة الاقارب
اكد الاسلام حق ذوي القربى في الاعالة والنفقة، وحث على صلتهم والاحسان اليهم، وتوعد من قطع رحمه بالعذاب الشديد فقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه». ولم يقرر الاسلام لهذه النفقة التي فرضها على القريب حدا معلوما من المال لاختلاف حال الناس باختلاف الزمان والمكان قال تعالى: «لينفق كل ذي سعة من سعته» (الطلاق: 7).
ثالثا: الزكاة
امر الاسلام المسلمين باتيان الزكاة، قال تعالى: «واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» (البقرة: 43). كما امر ولي الامر بأخذ هذه الضريبة تطهيرا وتزكية لاصحاب الاموال، وانقاذا للفئات المحتاجة حتى يسود التكافل والعدل بين ابناء المجتمع المسلم. فالزكاة بالنسبة للاصناف المستحقة لها معونة دائمة منتظمة حتى يزول الفقر بالغنى، ويزول العجز بالقدرة، او تزول البطالة بالكسب.
اضافة إلى الزكاة فقد اوجب الاسلام مجموعة من الحقوق المالية على المسلم باسباب وملابسات شتى كلها موارد لاعانة الفقراء، ومطاردة الفقر في دار الاسلام ومنها:
الاضحية، الكفارات، الهدي في الحج والعمرة، فدية الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه ممن يعجزون عن الصيام في شهر رمضان وكذلك الحامل والمرضع.
رابعا: الصدقات
إلى جانب الحقوق المفروضة حرص الاسلام على تكوين النفس الخيرة المعطية الباذلة قال تعالى: «مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم» (البقرة: 261).
وكان من اهم ما رغب فيه الاسلام الصدقة الجارية لان نفعها دائم واثرها باق لصاحبها بعد موته ما بقي نفعها. وبذلك ومن خلال جميع ما تقدم عالج الاسلام مشكلة الفقر وسد جميع منافذه، ومن واجب العالم الاسلامي اليوم ان يستعين بهذه الوسائل للقضاء على مشكلة الفقر حيث وجدت في بلاد الاسلام وبالتالي القضاء على اخطاره ومضاره. وتأتي دولة الكويت على رأس الدول التي تهتم باحوال المسلمين في البلدان التي تعاني الفقر والمجاعة، بما تقدمه من مساعدات متواصلة سواء عن طريق الدولة او من خلال اللجان الخيرية المتعددة العاملة في هذا المجال. وفي مقدم هذه اللجان بيت الزكاة الكويتي الذي تدعمه الدولة لهذا الغرض، في جميع انحاء العالم، فلا توجد مجاعة او مناطق منكوبة، او ظروف اقتصادية سيئة الا وتجد الايادي تمتد بالعطاء لاغاثة المنكوبين، ومساعدة المحتاجين ورفع المعاناة عن البائسين، ضاربة بذلك اروع الامثلة في البذل والعطاء.
وارقب يديدج دوم~ْ..
دمتي بود~ْ..
=)
تقبلي مروري اختك:
"كذا طبعي"
ما قصرتي ..
يعطيجـ الف عافيهـ
ما قصرتي
يعطيج الف عافيه