الوصية
قصة قصيرة
نافذة غرفتي تطل على المقابر .. وهكذا وجت نفسي كلما داهمني ملل أو قلق
أقف
وراء نافذتي أرقب هذه الجموع الغفيرة الصامتة .. المستكينة .. تنتظر اليوم
الموعود .. وقد اعتدت عصر كل يوم أن أرى رجلا يجر عصاه وقدميه بين القبور
ليصل
إلى قبر في إحدى الزوايا .. و ما أن يصل إليه حتى يجلس بجواره ويرفع يديه
داعيا
أو باكيا أو مناجيا ..و يجلس إلى ما شاء الله وقبل أن يهبط الظلام يستلم
عصاه
مودعا و مسلّما على من ضمه الثرى .. استمر هذا الحال عدة أيام .. بل عدة
أسابيع
.. و تسرب الفضول إلى نفسي فأحببت أن اعرف حكاية هذا العجوز .. فبحثت
وسألت
فعلمت أن الرجل يزور قبر رفيقة عمره التي احبها كل الحب فمنحها كل شيء رغم
أنها
لم تنجب له ذرية .. وماتت رفيقة العمر بمرض مفاجئ لم يمهلها سوى عدة أيام
حيث
كانت بعدها رقدتها الأخيرة .. و من يومها و الحزن بنى أعشاشه و أوكاره في
نفس
الرجل و ضربت الكآبة جذورها في قلبه وجفت دموعه و فاضت آهاته وبقيت الذكرى
منتصبة أمامه كعامود من الوفاء لا يهتز .. ورغم حداثة سني إلا أني أحببت
التقرب
إلى الرجل و مواساته فمثلي عرف الفجيعة اكثر من مرة برحيل قريب أو صديق ..
وبالفعل توطدت معرفتي بالرجل و اصبح يستأنس برفقتي وحديثي وحكى لي من
همومه و
أحزانه الكثير و قال ان زيارته اليومية لرفيقة دربه تمنع عنه الوحشة و
تساعده
على تقبل المصاب الجلل .. وفجأة وجدته يقول لي : إذا حل قضاء الله و لحقتُ
بها
فأرجو أن تدفنوني معها ..هل تعرف قبرها ؟ قلت مرتبكا : نعم .. نعم ..
اعرفه ..
قال : لقد فقدت أبى و أمي مبكرا ولا اعرف قبرهما .. وفقدت أكثر من حبيب لم
يكن
يتحملني حيا فلن أزعجه ميتا .. ولا احب ان اكون وحيدا في قبري .. قلت :
أمدك
الله بالصحة والعافية .. قال : الحمد لله .. قضاء أهون من قضاء .. وفي
الخامسة
من عصر كل يوم يشق الرجل صمت القبور بعصاه ليصل إلى مرقد رفيقته .. إلا
ذاك
اليوم الذي كانت السماء تبرق و ترعد و تنذر بالمطر .. فقد أطل الرجل
محمولا على
الأكتاف وجنازته تسابق الرياح .. فدفنوه في قبر جاهز مسبقا .. لم اكن
موجودا
وقتها .. ولكن علمت بالأمر في اليوم التالي ..فسارعت إلى المقبرة وسألت عن
قبره
فدلوني عليه .. فمشيت منكّس الرأس أجر أذيال الألم والفجيعة و .. المرارة
..
سلام عليك أيها الرجل الطيب .. سامحني .. لم أكن موجودا .. سامحني ..
وبقيت
بعدها كلما وقفت أمام نافذتي اسمع أنينا و همسا كأنه عتاب .. ولم تعد نفسي
تطاوعني على الوقوف من جديد فأغلقت النافذة بالمفتاح الذي تخلصت منه حتى
لا
أفكر بفتح النافذة من جديد .. ولكن هل انتهى عذابي ؟؟ لا .. فقد أطل الرجل
عليّ
في منامي وقال : يا صديقي .. افتح نافذتك …. افتح قلبك .. افتح عينيك ..
فالأماكن المغلقة للأموات.. ولا تهجرني يا صديقي .. لا تهجرني ..!!
الكاتب :: سمير مرتضى
تحياتي
__________________
اتريا الجديد منك
في امان الله
اسعدني مرورك ..
تحياتي
مشكور اخوي علىى القصه ربي يعطيك العافيه ان شاءالله
تحياتي لك
تحياتي