المخالفة للكتاب والسنة
إن المؤتمرات والندوات تعقد الآن لجمع كلمة المسلمين ونبذ الخلاف بينهم وهذا شيء طيب دعا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إليه وأجمع المسلمون عليه.
ولكن ما هي الوسيلة التي تحققه ؟
إنها الوسيلة الوحيدة التي نص الله تعالى عليها بقوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة) فدلت الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف على أنه سيكون هناك اختلاف بين الأمة وأن هذا الاختلاف لا يحسم إلا بأربعة أمور:
الأمر الأول: اجتماع الكلمة تحت طاعة ولي أمر المسلمين وعدم الخروج عليه إلا إذا ارتكب كفراً بواحاً عندنا عليه من الله سلطان أي حجة قاطعة.
الأمر الثاني: أن نرد ما اختلفنا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما شهد له الكتاب والسنة من الأقوال والآراء فهو الحق الذي يجب اتباعه. وما خالف الكتاب والسنة من الأقوال والآراء فهو الباطل الذي يجب نبذه وتجنبه.
الأمر الثالث: أن نعمل بالسنة لأنها هداية. ونترك البدع لأنها ضلالة.
الأمر الرابع: ما لم تتبين مخالفته ولا موافقته من الآراء الفقهية الاجتهادية فلنا معه حالات:
الأولى: أن يأخذ به ولي أمر المسلمين ويفتي به العلماء المعتبرون فإنه يؤخذ به لأن القاعدة: أن حكم الحاكم يرفع الخلاف ولأن جمع الكلمة مطلوب.
الثانية: إذا لم يؤخذ به من قبل ولي الأمر وأهل الفتوى أن نتوقف فيه عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) وقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
الثالثة: إذا ما أخذ بأحد الأقوال في هذه المسألة بعض العلماء فإنه لا ينكر عليه كما هي القاعدة: (لا إنكار في مسائل الاجتهاد).
وأما من يزعمون بأن جمع الكلمة يتحقق بترك الناس على مذاهبهم وأقوالهم ولو كانت مخالفة للكتاب والسنة فهؤلاء في الحقيقة يدعون إلى الفرقة والتناحر بين الأمة.
لأنه لا يجمع المسلمين إلا اتباع الكتاب والسنة كما قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً).
إن الواجب على هذه الندوات والمؤتمرات التي تعقد لجمع كلمة المسلمين أن تبحث عن سبب الاختلاف فتزيله لأنه إذا زال السبب زال المسبب، أما أن يحاولوا جمع المسلمين على خلاف التضاد بينهم فهو لا يمكن وهو كما قال:
إذا ما الجرح رم على فساد تبين فيه إهمـال الطـبيب
وشر من هؤلاء من ينادون بنبذ الإسلام عقيدة وشريعة والإبقاء على اسمه فقط والرجوع بالمسلمين إلى أخذ ما عليه الكفار من الكفر والإلحاد بحجة الحرية في الرأي.
وهؤلاء في الحقيقة يريدون الرجوع بالناس إلى أمر الجاهلية التي كان عليها الناس قبل الإسلام. وهم ينفذون رغبة الكفار الذين قال الله تعالى فيهم: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم من بعدما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين).
هذه كلمات أحببت إبداءها لعلها تكون إضاءات في الطريق إلى التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً حتى تعود لنا عزتنا، فنحن كما قال عمر رضي الله عنه: نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. وكما قال الإمام مالك رحمه الله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما أصلح به أولها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
(صحيفة الوطن) الجمعة 14 ربيع الآخر 1445هـ الموافق 12 مايو 2024م العدد (2051) السنة السادسة[/align