حملات لا تتوقف شنّها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على الإمارات، إلا أنها– تلك الحملات – لم تكن في جوهرها تهدف إلى المساس بالإمارات وحدها، بل كان هدفها الأول والأكبر ضرب العلاقات التاريخية بين الإمارات ومصر.
وربما مرّت لحظات في خضم هذه الحملات توهم بعضهم أنها بدأت تؤتي ثمارها، إلا أن فشلها النهائي جاء على مستويين متوازيين أثبتا الطبيعة الفعلية لهذه العلاقة:
المستوى الأول، هو المستوى الشعبي، من الطرفين الإماراتي والمصري، الذي لم ينجرف عاطفياً وراء المحاولات السافرة لاستفزاز مشاعر الطرفين، واستجرار مواقف عدائية من مصر باتجاه الإمارات أو العكس. ورأينا في عز الأزمة كيف وقف مصريون يدافعون عن الإمارات، غير هيّابين من الإجراءات الانتقامية التي قد يتخذها بحقهم أذناب الإخوان في مصر.
أما المستوى الثاني، فهو المستوى الرسمي، المدرك جيداً عمق العلاقات بين البلدين، تلك التي لا تهزها رياح الفتنة العابرة، ولا تؤثر فيها الحملات المسمومة. فالقيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وسائر المسؤولين الإماراتيين، تنطلق من النهج الذي أرساه الراحل الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي كان لمصر مكانة كبيرة في قلبه ووجدانه وفكره، لإدراكه بأن مصر تشكل القلب النابض للعالم العربي.
وتأتي زيارة الوفد الإماراتي الرفيع، اليوم، برئاسة سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني، يرافقه وزير الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، لتؤكد هذه الرسالة، وتلك العلاقات التاريخية، ولتعيد إلى صدارة المشهد السياسي عمق العلاقة الجامعة بين البلدين، لاسيما وأن وفد الإمارات هو أول وفد رسمي عربي يزور القاهرة بعد 30 يونيو، واسترداد مصر من قبضة الإخوان المسلمين، وقد جاءت الزيارة مليئة بالمعاني والدلالات في مستوى الدعم السياسي والاقتصادي والمعنوي في هذه اللحظات الدقيقة التي تمرّ بها مصر، وهو واجب الأخوة الأصيل، وسوف تثبت الأيام أن هذا الدعم ليس بالعابر ولا اللفظي ولا الخطابي، بل وليس دعماً مشروطاً، لا بفوائد مالية ولا سياسية، بل هو التزام ثابت يعزّز المسار الذي لطالما اتخذته دولة الإمارات تجاه مصر وسائر أشقائها العرب.
فالإمارات لا تقامر ولا تغامر ولا تحاول استثمار علاقاتها لمكاسب سياسية ضيقة، بل إن جلّ ما تصبو إليه هو استقرار الدول العربية وتماسك أمنها وازدهارها، ومصر هي القلب من ذلك كله. ولم تنقطع علاقة الإمارات بمصر يوماً، بل إنها ازدادت قوة وتماسكاً في وقت المحنة، وليست هذه الزيارة التاريخية إلا تتويجاً لهذا المسار التاريخي المضيء والملهم.
ولعلّ مما يجدر التوقف عنده أن زيارة الوفد الإماراتي رفيع المستوى لمصر جاءت زيارة معلنة، وفي وضح النهار، ولم تتم في الكواليس أو الدهاليز المظلمة، وذلك على عكس تلك الزيارة التي قام بها وفد إخواني إلى الإمارات فور استلامهم الحكم في مصر، بهدف التدخل في شؤون الإمارات، وعرض صفقات مشبوهة ومساومات مرفوضة، من شعب الإمارات قبل قيادته.
أما زيارة الوفد الإماراتي اليوم فتجسد الأهداف السامية والنوايا الطيبة من الإمارات تجاه مصر، فبقدر ما كان موقف الإمارات من تنظيم الإخوان معلناً واضحاً، لأنها تعي جيداً مدى الشرّ الكامن في المشروع الإخواني، ليس عليها وحدها فحسب، بل على العرب والمسلمين جميعاً.. بقدر ذلك كان دعم الإمارات لمصر جلياً واضحاً لا تفوح منه رائحة الصفقات ولا المؤامرات ولا تدخل في شؤون مصر الداخلية، بل دعماً لخيارات الشعب المصري الذي خرج بالملايين يوم 30 يونيو.
هي زيارة تاريخية إذن، في لحظة تاريخية، وبأسماء تاريخية، وبأهداف تاريخية، بل هي زيارة بحجم التاريخ الذي يربط بيننا، نحن الإماراتيين، وبين شعب مصر العظيم.