هب نسيم بارد…وكالعادة كنت خارج المنزل … أتجول في إحدى القرى المجاورة ..قدماي تعودتا دائماً أن تقوداني إلى حي صغير ..الذي ينتهي بي إلى بقال كبير في السن …التجاعيد واضحة على وجهه .. عيناه تتسمان بالبريق ..يتكأ على عصا غليظة …كنت دائماً اشتري منه بعض المكسرات ..وارحل ..
هذا هو خط سيري المعتاد بعد أن أصبحت حالتي لا يرثى لها..حين فقدت أعز أصدقائي ..وفصلت بعدها عن العمل بسبب فشلي المتكرر ..
وفي إحدى الليالي لفت انتباهي يوماً طفلة تقف في الزاوية بالقرب من البقال العجوز ..كانت تلبس فستاناً ممزقاً ..عيناها عسليتان ..لا تنتعل حذاءاً ..شعرها الأسود كان طويلاً ..طفلة لم تتجاوز التاسعة من عمرها ..وجهّت بصري إلى عيناها البريئتين ..واقتربت منها ..فإذ بها تهرب مني مختبأةً خلف سور الحديقة .. أكملت مسيري جاهلاً ذلك ..كنت كلما أتجول أراها واقفةً بالقرب من ذلك السور ..رأتني ..فابتسمت لها .. وابتسمت لي ..حاولت أن اقترب منها ولكني تراجعت ..خوفاً من أن تهرب مني ثانيةً ..وواصلت دربي ..
ومع مرور الأيام ..قررت أن أتحدث معها ..واقتربت منها ..وإذ هي تتراجع خطوة للوراء ..سألتها عن اسمها ..أجابتني بنبرة طفولية هادئة : هبة ..اسمي هبة … وما اسم أبيك ..انحنى رأسها إلى الأسفل وعيناها قد امتلأتا بالدموع .. فأدركت حينها أنه قد توفي .. كنت كلما اذهب إليها احضر لها شيئاً من الحلوى والمكسرات ..ولم أعلم حجم السعادة التي أدخلتها في قلبها الأبيض الصغير ..تبادلنا أطراف الحديث ..كنت كلما أجلس معها تحدثني دائماً عن أخاها الأكبر بدر ..وعن أمها المريضة ..وكنا نرسم معاً بأوراق شجرة الصنوبر الضخمة الذي تقع خلف السور الحديقة …كان رسمها طفولي مفعم بالبراءة .. كانت دائماً ترسم لي ..بدر ..وأمها المريضة ..وبجانبهم رجل لا أعلم من يكون .. اعتقدت في بادئ الأمر بأن يكون أباها المتوفي ..وما لبث أن زال شكي ..بعدما سمعت نبرة صوتها الحزين يترنن في أذناي ..قائلةً : إنه رجل طيب ..أبيض القلب ..ولكنني تمنيت لو أنني لم أره ..ولم يرني .. وأخذت تتأمل في الرسمة ..تركتني أواجه الألغاز بمفردي ..ذمة شيء تخفيها هذه الفتاة ..كنت كلما أرى عيناها العسليتان يدور في ذهني بأنها تحمل سراً لا تريد أن تكشفها لأحد ..آه ..بدأت هذه الطفلة تثير قلقي ..لا أعلم ماذا يخبآ قلبها الصغير هذا ..لا أعلم ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
رن الهاتف ..
المسؤول : سالم لقد كلفتك الشركة بالعمل خارج البلدة
سالم :صامت
المسؤول: سالم ما بك ؟؟
سالم (مذهول) : لا ..لا ..شيء
المسؤول: المدير قرر أن يعيدك إلى العمل ويعطيك فرصة أخرى ..ما رأيك ؟؟
سالم : نعم ..نعم ..موافق .
أغلقت سماعة الهاتف ..ونهضت من الفراش ..أحسست أن الدنيا قد مالت إلي وفتحت أبوابها لي من جديد ..بعد أن فقدت الأمل في هذه الحياة ..حين فشلت في عملي ..أحسست أن لا مكان لي في وسط هذا العالم المخيف ..ولا هدف أسعى من ورائه ..الآن بإمكاني أن أثبت قدراتي ..وأحقق النجاح .
استعدت للسفر .. ولم يسعني الوقت بأن أخبر هبة عن سفري هذا ..فقد اعتادت أن تنتظرني كل ليلة بالقرب من ذلك السور .
استغرق رحلتي 3 أيام ..بعدها رجعت إلى البلدة ..وكلي لهف وشوق بأن أرى هبة ..الفرحة كانت تغمر قلبي بما أنجزته من عمل هناك ..ذهبت إلى المكان المألوف ..لكني لم أجدها ..بحثت عنها في جميع زوايا الحديقة ..لكن دون جدوى ..
ذهبت في اليوم التالي ..لكن عبثاً ..لم أجدها ..استمر الحال على ما هو عدة أيام ..قررت حينها أن أسال عنها ..فسالت البقال العجوز ..وأرشدني على بيتها … الممر كان ضيقاً ..والمكان مظلم ..خيوط العنكبوت يملأ الزوايا .. كنت متردداً …ولكن تعلقي بهذه الطفلة هو الذي دفعني لها ..استجمعت قواي ..والعرق يتصبب من يدي ..
طرقت الباب ..وإذ بصبي يخرج ..أدركت أنه بدر ..نظر إلي ..ونظرت إليه ..
داهمنا فترة صمت ..ثم قال بصوت مخنوق والدمعة تذرف من عينه ..ماتت ..لقد ماتت هبة …كان الخبر بالنسبة لي كالصاعقة ..جعلني اثبت في مكاني كالمشلول دون حركة ..وكأنني مابين الحلم واليقظة ..الغريب أن عيناي لم تذرف دمعة واحدة ..يا ترى هل السبب في قلبي القاسي؟؟ ..أم من هول الصدمة ؟؟
أكمل بدر حديثه ..والدموع لازلت تسيل منه ..: لقد كانت مريضة ..واشتد المرض في الآونة الأخيرة ..الطبيب أخبرنا أنه لا أمل في شفائها …كانت دائماً تحدثني عنك ..وقد وصتني ..أنه إذا جاء شخص يسأل عني ..أخبره ..أنني قد فارقت الحياة …
تلعثم لساني .. ولم استطع أن أنطق بحرف واحد ..الأفكار سيطرت على ذهني ..استرجعت فيها شريط الذكريات .. والأحاديث الذي دار بيننا ..وفجأة وجدت نفسي أقف تحت ظل شجرة الصنوبر الضخمة ..تلك الشجرة التي جمعتنا .. ورسمنا بأوراقها ..الآن أيقنت أنها كانت تقصدني في رسمة ذلك الرجل ..وتمنت أنها لم ترني ولم أراها .. لأنها على علم بمرضها .. وأنها ستفارق الحياة ..ومع هذا كتمت سرها في صدرها الجريح ..وواجهت هذا الأمر بمفرها ..ورضيت بقضاء ربها ..
ها هي الرسمة الآن قد غطتها الرمال ..لكن أثرها سيظل .. وستظل الذكريات معها .. وروحك الطيبة يا هبة ستملأ هذا المكان الذي جمعنا وفرقنا …
تعليق على القصة !!.
رسالة إلى كل شخص فقد الأمل في هذه الحياة …فقد ثقته وقدراته ..الفشل ليست نهاية الطريق ..بل بدايته ..(فهناك ألف سالم وسالم ).. يأسوا من الحياة ..واعتقدوا أن الفشل نهاية الطريق ..الآن بإمكانك أن تحقق النجاح ..وتثبت قدراتك ومواهبك ..فالأمل لازال موجوداً !!
وهناك (ألف هبة و هبة) .. الذين يواجهون قضاء ربهم بالصبر والرضا ..ولم يعترضوا على حكمته .. لأنه آمنوا بكمال الله وجماله وأيقنوا بعدله ورحمته ..
دع الأيام تفـــــــعل ما تــــشاء
وطب نفسا إذا حكم القضاء ..الإمام الشافعي
علمني الفشل ألاّ أيأس ، فكما خلق الله الضراء فقد أوجد السراء ،
فقليل من الأمل يجعل للحياة طعماً آخر ، ومقدار الرضا يزيد مساحة الإيمان في القلب .
منقوول
بس يعطيج العافية
لو نفشل نقدر نوقف مره ثانيه
بس المشكله لو كان في ناس هم سبب الفشل الي نحن فيه وبايدهم كل شــئ !!
🙂
والامل موجود بكل مكان
والمفروض الانسان ما ييأس بسهوله
ويخلي عنده امل وتفاؤل كبير بنفسه وبـ الله
يعطيج العافيه الغلا ع القصه الروووعه
ولا تحرمينا يديدج
والسموووووحه…
نزلت القصة وان شاء الله اقراها