يكرم الله عز وجل عباده المؤمنين في هذه الأيام بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فالمؤمن الذي يقتدي بنبي الله إبراهيم ونبي الله إسماعيل يشتري أضحية بشروطها الشرعية إن كانت من الماعز يشترط أن يكون مرّ عليها عامين وإن كانت من الأغنام يشترط أن يكون مرّ عليها ستة أشهر وإن كانت من الأبقار يشترط أن يكون قد مرّ عليها سنتين وإن كانت من الجمال يشترط أن يكون قد مر عليها خمس سنوات
وألا تكون بها عيوب ، لا عوراء ولا جرباء ولا هزيلة ولا مريضة ولا مشقوقة الأذن ولا مكسورة القرن ، لأن المؤمن لا ينال البر حتى يعطي أفضل ما يحب لله عز وجل ، وأن يكون ذلك بعد صلاة العيد وسماعه الخطبة لقوله عز وجل {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر2 ويجوز أن نذبحها في أول يوم أو ثاني يوم أو ثالث يوم على أن يذبح بالنهار ويكره الذبح بالليل وأيضاً لا يعطي الجزار شيئاً منها على سبيل الأجرة كما يفعل الكثير منا يحضر الجزار فيذبح الأضحية ثم يحمل الجلد على كتفه ويخرج على أنه أجرته هذا ممنوع ، فقد قال على رضى الله عنه وكرم الله وجهه: {أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا ، وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا ، قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا}{1} ماذا نفعل بالجلد؟ يمكن أن نبيعه ونتبرع بثمنه لأي مشروع من مشروعات الخير أو عمل من أعمال البر فإذا وفى المسلم بهذه الشروط خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وليس هذا فقط بل قال صلى الله عليه وسلم: {لصاحبها بكلِّ شعرةٍ حسنةٌ ، ويُرْوَى بِقُرُونِها}{2} من يستطيع أن يعد؟ {ولكم بكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان بقرونها وأظفارها ولحومها ودمائها فطيبوا بها نفساً وأبشروا} ، ثم ماذا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: {إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ}{3} أى هي الركوبة التي تكربها على الصراط يوم القيامة إن شاء الله فالأضحية سنة على الموسر يفعلها في عمره كله ولو مرة لكن لا يجب في سبيلها أن تحدث المشكلات في البيوت كأن نريد أن نضحي حتى لا نكون أقل من الجيران ، ولا يجب أن يستدين المرء ليضحي لله عز وجل ، فالذي معه سعة عليه أن يضحي خوفاً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحيَ فَلَمْ يُضَح فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا}{4} لكن الذي ليس معه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لأن المؤمن لا يعمل العمل إلا لله فإذا ضحى فإنما يضحي طمعاً في ثواب الله ورغبة في رضاء الله لا سمعةً بين جيرانه ولا شهرةً بين أقرانه و قد يحدث في البيوت ما لا تحمد عقباه من هذا أن الزوجة قد تصرّ على الأضحية ولو شكى لها الزوج ألف عذر لا ترحمه لأنها تقول له كيف أقابل الجيران وأتحدث مع الإخوان وليس عندنا أضحية؟ وهذا لا يرضي الرحمن عز وجل ، فالمؤمن لا يعمل إلا لله ولا يعمل إلا ابتغاء ثواب الله وطلباً لرضوان الله عز وجل لكن المؤمن الذي ليس معه سعة عليه أن يحاول أن يضحي ولو مرة واحدة في عمره كله وهذا ليس بالصعب العسير ليحصل على هذا الثواب يغفر الله له ولأهل بيته وتوضع بكل ما فيها في كفة حسناته ويكون له ركوبة يركبها على الصراط يوم لقاء الله هذا فضلاً عن متابعته لسنة سيد الأنبياء وإمام الأنبياء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا إبراهيم عليه السلام فإذا ضحى فإن الأضحية يصلح شأنها ويرفع ثوابها أن يعطي المرء منها للفقراء والمساكين وعليه أن يتحرى في ذلك فإن كثيراً منا يعطي السائلين وكثيراً منهم ليسوا محتاجين وإنما يستكثرون من هذا الخير لعلمهم أن الناس يعطون من سألهم لكن المؤمن يتحرى موضع صدقته وخير موضع يضعها فيه الموظف الذي عنده أولاد ودخله لا يكفيه كيف يعطيها له؟ إن هذا أمر لو هدى الله عز وجل العبد له لألهمه بالطريقة السليمة الرشيدة التي يستطيع بها أن يضع صدقته في موضعها لقد قال صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ، وَلاَ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ أبا العيال}{5} وقال الله عز وجل واصفاً الفقراء الذين يبحث عنهم الأغنياء {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ} لا يقدر أن يمد يده لأحد {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} البقرة273 لا يشكو فقره إلا إلى ربه عز وجل ، مثل هذا يجب علينا أن نغنيه في هذا اليوم فإن السائل الذي يمد يده إلي وإليك تعلمون جميعاً أنه يملأ ثلاجات العمارة كلها بما تسوله من اللحوم ، أما الفقير المتعفف فقد لا يستطيع إحضار كيلو واحد من اللحم لأولاده في هذا الوقت ولا يستطيع أن يمد يده ولا تطاوعه نفسه أن يسأل لأنه رجل عفوف النفس قوي الإيمان وهذا الذي يجب علينا أن نبحث عنه جميعاً أيها المؤمنون وإياك أخى المسلم أن تقول أنه ليس بموجود أو أنه أصبح مفقوداً بل موجود وكثير ، ولا يغرك المظهر ولا يغرك الشأن العام ولكن ابحث في جوهر الناس وتحسس في طلبات الناس بلا تجسس والتماس عورات ولكن ابحث عن الفقير المتعفف ذو العيال الذى اغلق بابه وكف لسانه وسأل ربه وليسوا الذين سدوا ابواب الطرقات وغصت بهم باحات المساجد وإن أغلبهم لتجار كما نهر عمر رضي الله عنه أحدهم لما رآه يسأل المرة تلو المرة فقال له إنك لتاجر ، فلنبحث عن المتعففين المحتاجين لنضع الصدقة في موضعها الحقيقي {1} صحيح مسلم {2} رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن زيد بن أرقم {3} رواه السيوطي في الكبير والديلمي عن أبي هريرة {4} رواه ابن ماجة في سننه ورواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة {5} رواه ابن ماجة في السنن والسيوطي في الكبير عن عمران بن حصين
|
||