{ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا (27) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (28) }سورة الكهف .
ـــــــــــــ
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس { لا مبدل لكلماته } أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل وقوله : { ولن تجد من دونه ملتحدا } قال مجاهد : { ملتحدا } ملجأ وعن قتادة : وليا ولا مولى قال ابن جرير : يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فإنه لا ملجأ لك من الله كما قال تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } وقوله : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويحمدونه ويُسبحونه ويكبِّرونه بُكرة وعشيا من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء يقال : إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود وليفرد أولئك بمجلس على حدة فنهاه الله عن ذلك فقال : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } الآية وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء فقال : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } الآية . عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } ( أخرجه مسلم في صحيحه )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات " ( أخرجه الإمام أحمد في المسند ) . وقال الطبراني عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } الآية فخرج يلتمسهم فوجد قوما يذكرون الله تعالى منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال : " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم " وقوله : { ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا } قال ابن عباس : ولا تجاوزهم إلى غيرهم يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا { وكان أمره فرطا } أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع ولا تكن مطيعا له ولا محبا لطريقته ولا تغبطه بما هو فيه كما قال : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } .
ـــــــــــــــــــــــــــ
مختصر تفسير ابن كثير
ج 2 ص 597
المصـــــــــدر
قوله عز وجل : ( واتل ) واقرأ يا محمد ( ما أوحي إليك من كتاب ربك )
يعني القرآن واتبع ما فيه ( لا مبدل لكلماته ) قال الكلبي : لا مغير للقرآن .
وقيل : لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه . ( ولن تجد ) أنت ( من دونه )
إن لم تتبع القرآن ( ملتحدا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : حرزا .
وقال الحسن : مدخلا . وقال مجاهد : ملجأ . وقيل : معدلا . وقيل : مهربا .
وأصله من الميل . قوله عز وجل : ( واصبر نفسك ) الآية .
نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلى الله عليه وسلم
قبل أن يسلم وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان وعليه شملة
قد عرق فيها وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم :
أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس
وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحهم عنك حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا
ولهم مجلسا فأنزل الله عز وجل : ( واصبر نفسك ) أي احبس يا محمد نفسك
( مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) طرفي النهار ( يريدون وجهه )
أي : يريدون الله لا يريدون به عرضا من الدنيا .
قال قتادة : نزلت في أصحاب الصفة وكانوا سبعمائة رجل فقراء
في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع
ولا ضرع يصلون صلاة وينتظرون أخرى فلما نزلت هذه الآية
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي جعل
في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " .
( ولا تعد ) أي : لا تصرف ولا تتجاوز ( عيناك عنهم ) إلى غيرهم
( تريد زينة الحياة الدنيا ) أي : طلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا .
( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) أي : جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا
يعني : عيينة بن [ ص: 167 ] حصن . وقيل : أمية بن خلف ( واتبع هواه )
أي مراده في طلب الشهوات ( وكان أمره فرطا ) قال قتادة ومجاهد : ضياعا
وقيل : معناه ضيع أمره وعطل أيامه وقيل : ندما . وقال مقاتل بن حيان : سرفا .
وقال الفراء : متروكا . وقيل باطلا . وقيل : مخالفا للحق . وقال الأخفش :
مجاوزا للحد . قيل : معنى التجاوز في الحد هو قول عيينة :
إن أسلمنا أسلم الناس وهذا إفراط عظيم .
وقوله : ( ولن تجد من دونه ملتحدا )
يقول : وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه
وتأتم به ، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده
لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه
لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه ، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( ملتحدا ) قال أهل التأويل
وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان
عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( ملتحدا ) قال : ملجأ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى
وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء
جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ملتحدا ) قال : ملجأ .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين
قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد
عن قتادة ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) قال : موئلا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر
عن قتادة ، في قوله : ( ملتحدا ) قال : ملجأ ولا موئلا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد
في قوله : [ ص: 652 ] ( ولن تجد من دونه ملتحدا )
قال : لا يجدون ملتحدا يلتحدونه ، ولا يجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعهم
والملتحد : إنما هو المفتعل من اللحد ، يقال منه : لحدت إلى كذا : إذا ملت إليه
ومنه قيل للحد : لحد ، لأنه في ناحية من القبر
وليس بالشق الذي في وسطه ، ومنه الإلحاد في الدين
وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له .
قوله تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي
هذا مثل قوله : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي في سورة " الأنعام "
وقد مضى الكلام فيه . وقال سلمان الفارسي – رضي الله عنه – :
جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
عيينة بن [ ص: 350 ] حصن والأقرع بن حابس
فقالوا : يا رسول الله ; إنك لو جلست في صدر المجلس
ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم – يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين
وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها – جلسنا إليك وحادثناك
وأخذنا عنك ، فأنزل الله – تعالى – : واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته
ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي
يريدون وجهه – حتى بلغ – إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها .
يتهددهم بالنار . فقام النبي – صلى الله عليه وسلم –
يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال :
الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي
معكم المحيا ومعكم الممات . وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار
وأبو عبد الرحمن " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي
" وحجتهم أنها في السواد بالواو . وقال أبو جعفر النحاس :
وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ، ولا تكاد العرب تقول الغدوة لأنها معروفة .
وروي عن الحسن " ولا تعد عيناك عنهم "
أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبا لزينتها ; حكاه اليزيدي .
وقيل : لا تحتقرهم عيناك ; كما يقال فلان تنبو عنه العين ; أي مستحقرا .
تريد زينة الحياة الدنيا أي تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء
الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك ; ولم يرد النبي – صلى الله عليه وسلم –
أن يفعل ذلك ، ولكن الله نهاه عن أن يفعله ، وليس هذا بأكثر من قوله
لئن أشركت ليحبطن عملك . وإن كان الله أعاذه من الشرك .
وتريد فعل مضارع في موضع الحال ; أي لا تعد عيناك مريدا كقول امرئ القيس :
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وزعم بعضهم أن حق الكلام : لا تعد عيناك عنهم ; لأن " تعد " متعد بنفسه .
قيل له : والذي وردت به التلاوة من رفع العينين يئول إلى معنى النصب فيها
إذا كان لا تعد عيناك عنهم بمنزلة لا تنصرف عيناك عنهم ،
ومعنى لا تنصرف عيناك عنهم لا تصرف عينيك عنهم
فالفعل مسند إلى العينين وهو في الحقيقة موجه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم –
كما قال – تعالى – : فلا تعجبك أموالهم فأسند الإعجاب إلى الأموال
والمعنى : لا تعجبك يا محمد أموالهم . ويزيدك وضوحا قول الزجاج :
إن المعنى لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة .
[ ص: 351 ] قوله تعالى : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا روى جويبر
عن الضحاك عن ابن عباس في قوله – تعالى – :
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا قال : نزلت في أمية بن خلف الجمحي
وذلك أنه دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه
وتقريب صناديد أهل مكة ; فأنزل الله – تعالى – : ولا تطع من أغفلنا قلبه
عن ذكرنا يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد . واتبع هواه يعني الشرك .
وكان أمره فرطا قيل هو من التفريط الذي هو التقصير وتقديم العجز بترك الإيمان .
وقيل : من الإفراط ومجاوزة الحد ، وكأن القوم قالوا : نحن أشراف مضر
إن أسلمنا أسلم الناس ; وكان هذا من التكبر والإفراط في القول .
وقيل : فرطا أي قدما في الشر ; من قولهم : فرط منه أمر أي سبق .
وقيل : معنى أغفلنا قلبه وجدناه غافلا ; كما تقول : لقيت فلانا فأحمدته
أي وجدته محمودا . وقال عمرو بن معديكرب لبني الحارث بن كعب :
والله لقد سألناكم فما أبخلناكم ، وقاتلناكم فما أجبناكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم
أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين .
وقيل : نزلت ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا في عيينة بن حصن الفزاري
ذكره عبد الرزاق ، وحكاه النحاس عن سفيان الثوري .
والله أعلم .
ما شاء الله أخوي ساحل على طرحك الموضوع القيم والرائـــع
لسورة الكهف وتم حفظ الموضوع المبدع
ولا تحرمنا من مشاركاتك الطيبة اخوي وإن شاء الله دوووم
وبارك الله فيك…….آميـــــــن
ودمــــت بحفــــظ الــــرحمن
جزااااكم الله خيرا جميعا يارب
طرح واضافة قيمة..زادكم الله من فضله وعلمه يارب
بكل حرف في ميزان حسناتكم ان شاء الله..
لا حرمنا الله من مثل هذه المواضيع القيمه..
تقبلو مروري..السموحه
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا إله إلا انت استغفرك واتوب اليك
في حفظ الرحمن
طـرح قيم جداً .. بارك الله فيك أخـوي ..
ويزاك الله الخير مشرفنـا ع الإضافة ..
جعل الله حروفكم في ميزان حسناتكم ..
وأثابكم الخيــر عليهــا ..
دمتم بحفظ الرحمـن ورعايته ..
اخوانــي ساحل دبي & الحبوب
يزاكم الله خير وبارك فيكم
طرح قيــم ومفيد
جعله الله في ميزان حسناتكم
وجزاكم عليــه خير الجزاء
دمتم برعاية المولى
وبارك وفيك
وجعل ما طرحت في موازين حسناتك