بعد موت طالوت تولى مُلك بني إسرائيل داود عليه السلام وقد داوم ملكه عليهم حوالي أربعين سنة، في السبعة الأولى منها كانت عاصمة ملكه حبرون، أما في المدة الباقية فكانت عاصمة ملكه أورشليم وفى عهد داود عليه السلام قامت حروب كثيرة بين بني إسرائيل وغيرهم من الأمم، وفى عهد داود عليه السلام كذلك عمَّ الرخاء مملكته واتسع نشاطها الاقتصادي مع الأمم الأخرى، وكانت لها الغلبة على ما حولها من الشعوب والممالك في شرق الأردن وغربه،،وقد تولَّى ملك بني إسرائيل بعد داود، ابنه سليمان عليهما السلام ودام ملكه زهاء أربعين سنة، وكان عهده يمتاز بالاستقرار والرخاء
ويصف صاحب تاريخ الإسرائيليين عهد سليمان عليه السلام، فيقول ،وفى عصره اعتزَّ شأن الإسرائيليين وهابتهم الأمم المجاورة لهم، وتزوَّج سليمان عليه السلام ابنة فرعون، وعقد معاهدة مع حيرام ملك صور، وبني هيكله المشهور فاستجلب مشاهير الصناع والبنائين والنحاتين ،كما أرسل سليمان سفنه في الآفاق تجوب البحار فبلغت جنوب أسبانيا، وانتشر صيت سليمان في جميع الممالك والبلدان وسارت بحكمته الركبان، وجاءته ملكة سبأ من أقاصي اليمن لتختبر حكمته فرأت منه ما أذهلها
وكانت مدة حكم سليمان عليه السلام أربعين سنة ذاق فيها الإسرائيليون الهناء والرخاء، ورزقوا السعد حتى أن عصره ليحسب العصر الذهبي لأمتهم، وتقدمت الصناعات تقدماً عظيماً بما شاد سليمان من المباني الفاخرة، كالهيكل والقصر والمدن الكثيرة والمعاقل والحصون ،ونجد صاحب كتاب ،معالم تاريخ الإنسانية يقول( إن قصة مُلك سليمان وحكمته التي أوردها الكتاب المقدس تعرضت لحشو وإضافات على نطاق واسع، وقد أسهب سفر الملوك الأول في تصوير مجد سليمان وأبهته وفخامته، ولكن الحق إذا قيست منشآت سليمان بمنشآت ،تحتمس الثالث، أو رمسيس الثانى أو نبوخذ نصر فإن منشآت سليمان تبدو من التوافه والهينات، وكانت مملكة سليمان رهينة تتجاذبها مصر وفينيقيا)
ونجد غوستاف لوبون يقول(لا ينبغي لنا أن نتحدث عن وجود شئ من فن النحت أو التصوير لدى بني إسرائيل، وقل مثل هذا عن فن البناء عندهم، فانظر إلى هيكلهم المشهور (هيكل سليمان) الذي نشر حوله كثير من الأبحاث المملَّة، نجده بناءاً أقيم على الطراز الأشورى المصرى من قبيل بنائين من الأجانب كما تدلُّ عليه التوراة، ولم تكن قصور سليمان غير نسخ رديئة للقصور المصرية أو الآشورية)
والذي نراه بعد سردنا لهذه النصوص أن عهد داود وسليمان عليهما السلام يعتبر العهد الذهبي لبنى إسرائيل، وأنهم في عهدهما تمتعوا بالرخاء والاستقرار وعلو الشأن، وتاريخهم سوى هذا العهد يعتبر سلسلة من المآسي والنكبات والضربات التي نزلت بهم من الأمم الأخرى بسبب إفسادهم في الأرض، وتعنتهم وسوء طباعهم،ونحن ننزِّه داود وسليمان عليهما السلام عن كلِّ ما نسبته أسفار التوراة أو كتب التاريخ إليهما من جور وظلم، فهما نبيَّان كريمان معصومان من ارتكاب ما نهى الله عنه،هذا وقد ورد ذكر داود وسليمان عليهما السلام فى آيات كثيرة من القرآن الكريم، ومعظم هذه الآيات يصور وافر النعم التى أسبغها الله عليهما، ومن ذلك قوله تعالى فى سورة الأنبياء (78: 82):
(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ. فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ. وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ. وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ. وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ )
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…C9&id=86&cat=2
منقول من كتاب {بنو اسرائيل ووعد الأخرة}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجانا
ويصف صاحب تاريخ الإسرائيليين ما كان بين الدولتين من نزاع وحروب فيقول (كانوا في بعض الأحايين يتعاهدون ويسيرون معاً بجيوشهم إلى الحرب، على أن روح المنافسة لم يزل دأبها بينهم، لأن ملوك إسرائيل كانوا يخشون أن ترتد رعاياهم عنهم إلى ملوك يهوذا، بذهابهم للعبادة في هيكل أورشليم؛ فاتخذ بعضهم جميع الوسائل لحملهم على اطراح تلك العبادة، فكانوا تارة ينصبون لهم الأوثان ليعبدوها، وطوراً يمنعونهم عن تأدية فريضة العبادة جبراً،) وهكذا تناثرت عرى الاتحاد والوئام بين الأسباط، وازداد الشقاق فكانت النتيجة ضعف المملكتين وتغلب الأعداء والغزاة عليهما الواحدة بعد الأخرى ،وكذلك كانت علاقة الدولتين بغيرهما من الدول ، في مجموعها ،علاقة عداء وحرب
ويبدو أن صلات مملكة يهوذا وإسرائيل بغيرهما من الدول كانت على حسب الظروف، عدائية أو عدوانية، أو مذبذبة أو غادرة، أو في صورة خضوع وذلَّة، وأن الشعوب الأخرى عاملتهم بالمثل، وكالت لهم بمثل كيلهم، فكانوا في معظم مدة وجودهم في عداء وحروب مع الغير، وعرضه للغزوات والغارات والسيطرة والإذلال، ثم انتهى الأمر إلى نسف دولتهم وإجلائهم عن بلادهم، لأن الآشوريين والكلدانيين رأوا ذلك هو العلاج الحاسم لما كان منهم من غدر ومراوغات وتذبذب وتناقضات ،ويصور ولز، حالة المملكتين الإسرائيليتين فيقول: ( كانت حياة العبرانيين في فلسطين تشبه حالة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم، فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار، ومن المبدأ إلى النهاية لم تكن مملكتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسورية وآشور وفينيقيا)
وفى سنة 538ق م استولى قورش، ملك الفرس على بلاد بابل، فعامل اليهود معاملة حسنة، لأنه تربى في حجر استير، اليهودية، التي كانت في حوزة أبيه، وقد اصدر ،قورش، نداءاً سمح فيه لليهود أن يعودوا إلى أورشليم، وأن يعيدوا بناء هيكلهم، وساعدهم على ذلك بالأموال والرجال ولكن أكثر اليهود كانوا قد ألفوا الحياة في بابل، وامتدت بها أعراقهم، وذاقوا بها خصب العيش، والتجارة الرابحة، ومن ثم فقد تردَّدوا كثيراً في العودة إلى أورشليم، ومعظم الذين عادوا منهم إلى أورشليم كانوا من سبطي يهوذا وبنيامين
وكانت عودة اليهود من المنفى عودة الأمة، وليست عودة الدولة، فإن بني إسرائيل عادوا، ولكن دولتهم لم تعد فقد صاروا جماعة تابعة للحكم الفارسي وخاضعة له، كانت المناوشات لا تنقطع بينهم وبين حكامهم الفرس ،من بلاد الشام جميعاً، وأصبحت بلاد الشام ومن بينها فلسطين خاضعة لحكم الاسكندر المقدوني ،وبعد وفاة الاسكندر سنة 323 ق م ، اقتسم قواده ملكه الكبير، فكانت فلسطين من نصيب القائد (بطليموس ) الأول ملك مصر، وقد استمر حكم البطالسة على فلسطين حتى 200ق م تقريبا
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…C9&id=86&cat=2
منقول من كتاب {بنو اسرائيل ووعد الأخرة}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجانا