شهدت فلسطين وبلاد الشام نزاعات مستمرة تسببت في حالةٍ من الفوضى والاضطراب، ظلت مستمرة حتى استولى عليها الرومان في نحو سنة 63 ق م بقيادة القائد الروماني بومبي، بعد انتصاره على ملك بونتوس، وضمه آسيا ألصغري وسوريا وفلسطين إلى الإمبراطورية الرومانية. وبذا خضعت فلسطين للحكم الروماني الذي استمر إلى سنة 614 م
وقد سمح أباطرة الرومان لأبناء فلسطين بنوع من الحكم الذاتي، ونصبوا سنة 37 ق م هيرودس الآدومي ملكًا على الخليل وبلاد يهودا ،أوالمملكة الجنوبية،المقاطعة المحيطة بالقدس، يوديا الرومانية، وكانت مساحتها نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة ميل مربع، وكان هيرودس قد اعتنق اليهودية، وفي سنة 19ق م رغب هيرودس في بناء الهيكل على طريقة بناء سليمان، فقام بهدمه وبنائه ثانيةً، وقد شهدت البلاد نوعاً من الاستقرار والهدوء طوال عهد هيرودس، الذي ظل يحكم هذه البلاد باسم الرومان حتى وفاته سنة 4م، وخلال حكم هيرودس ،37ق.م 4م ولد سيدنا عيسى عليه السلام، ودور اليهود في محاربته معروفٌ ومسجَّلٌ بتفاصيله يقول صاحب تاريخ الإسرائيليين ( على أن اليهود لم يخلدوا إلى السكينة بعد دخولهم تحت حكم الرومان، وشق على نفوسهم أن يحتل الرومان عاصمة ملكهم وبيت مقدسهم ، فكانوا تارة يتهددون الولاة، وطوراً يطردون الجنود الرومانيين من أورشليم، وآونة يظهرون الرضا بحكم الرومان عليهم)
وقد تعاقب عليهم ولاة رومانيون ساموهم سوء العذاب، فرفعوا أمرهم إلى رومية، ولما لم يأتهم منها الفرج تظاهروا بالعصيان، وأحدثوا شغباً عظيماً، فأرسلت رومية قائدها المحنك فاسباسيان فحاصر أورشليم وحارب اليهود وظل على قتالهم إلى أن انتخبه الرومان إمبراطورا لهم، فخلفه ابنه تيطس على الحصار وقتال اليهود، وكان تيطس هذا قائداً مدرباً، وبطلاً مجرباً، ذاق منه اليهود الأمرين، وثابر على منازلتهم بالجنود الرومانية المشهورة ومنى اليهود بالانقسام الداخلي والفتن والمنازعات بينهم حتى ضعف أمرهم، وتقلص ظلهم، وتقوى تيطس عليهم فمزق شملهم، ودخل أورشليم فدكها دكاً، ودمرها تدميراً، ومات من اليهود في ذلك الحصار نحو مليون نسمة فسالت الدماء كالأنهار(1)
ثم يقول، وإلى هنا ينتهي تاريخ الإسرائيليين كأمة، فإنهم بعد خراب أورشليم الثاني على يد تيطس الروماني تفرقوا في جميع بلاد الله، وتاريخهم فيما بقى من العصور ملحق بتاريخ الممالك التي توطنوها، أو نزلوا فيها، وقد قاسوا في غربتهم صنوف العذاب والبلاء، فإن الرومان حظروا عليهم دخول أورشليم، وكان تدمير تيطس لأورشليم سنة 70م، وبعد هذا التدمير فرَّ من بقى حيًّا من اليهود إلى الأقطار المجاورة كمصر وقبرص وليبيا وجزيرة العرب
وفي سنة 132م قام اليهود بالثورة مرة أخرى بقيادة باركوخبا، واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات، حتى قام الإمبراطور هادريانوس، بإخمادها بعد أن خرَّب القدس، وأبادها نهائيَّاً، وقام بتأسيس مستعمرة رومانية جديدة أطلق عليها إيليا كابيتولينا، وحرم على اليهود دخول هذه المدينة- وهي التي جاء ذكرها في العهدة العمرية باسم إيلياء وأقام مكان الهيكل اليهودي هيكلاً وثنيًّا باسم جوبيتر، وظل الهيكل على هذا الوضع حتى ظهور المسيحية
ظل الرومان يمنعون اليهود من دخول القدس حتى تولى الإمبراطور قسطنطين في بداية القرن الرابع الميلادي، والذي اعتنق المسيحية، وأعاد للمدينة اسمها القديم أورشليم القدس، وأجبر من بقى من اليهود في القدس على التنصر، فوافقه بعضهم ظاهرياً، وأما من رفض فقد قتل، وهدم الهيكل الوثني الذي أقامه الرومان بدلاً من هيكل اليهود، وأصبحت القدس تغلب عليها الصبغة المسيحية، بعد أن كانت ذات صبغة يهودية منذ عهد داود وسليمان
ولما زارت الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين سنة 335م القدس، أمرت بهدم معبد الجلجلة الوثني أيضاً، وأمرت ببناء كنيسة القيامة المعروفة اليوم وكذا العديد من الكنائس والأديرة، وفي سنة 361م، زار الإمبراطور يوليان القدس، وكان قد عاد إلى الوثنية بعد النصرانية، فأخذ في حشد اليهود إلى القدس، وبدأ في أعمار هيكل اليهود من جديد وفى سنة 591م أرسل برويز كسرى فارس جيوشه إلى فلسطين، وأمرهم بتخريبها، فخربوا معظم مدن الشام، وخاصة القدس والخليل والناصرة وصور، وكثيرًا من الكنائس، وقتلوا كثيرًا من النصارى؛ فلما رأى اليهود خلو بلاد الشام من الرومان اجتمعوا في القدس وطبرية وقبرص ودمشق نحو عشرين ألفًا، وأتوا إلى صور ليستولوا عليها، فعاد إليهم جيش الفرس، وحاصرهم وهزمهم، وقتل كثيراً منهم
وظلت بلاد الشام في أيدي الفرس إلى سنة 628م، عندما استعادها هرقل ملك الروم ودخل بجيوشه إلى القدس، واستمرَّت فلسطين خاضعة للحكم الروماني إلى أن فتحها العرب المسلمون سنة (15هـ 636م)، بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه)(2)
(1) ذكر فى بعض المصادر التاريخية والنقدية أن هذه الأرقام من القتلى والأسرى والدمار والفتك الذى حاق باليهود مبالغ فيها كثيرا أو هى من وضع اليهود وأعوانهم من الكتبة والمؤرخين على مرِّ الأزمان، والذين اعتادوا تهويل وتضخيم كل ما أصابهم من كوارث على مدى تاريخهم ليستجلبوا عطف الناس عليهم ومساندتهم لهم! وفى نفس الوقت تجدهم يكذِّبون كل الجرائم والفظائع التى أقترفوها على مدى الأيام، وأما ما لايستطيعون تكذيبه فهم يهونونه ويدعون أنه مبالغ فيه ويبررونه بكل صلافة ووقاحة أنهم أنما فعلوها مضطرين ودفاعاً عن أنفسهم!وهكذا هو دأبهم دائما وأبداً إلى الآن
(2)دراسة تاريخية علمية قائمة على المراجع: 1- تاريخ الأمم والملوك: الطبري (محمد بن جرير)ـ 2- تاريخ فلسطين القديم: ظفر الإسلام خان، 3- تاريخ القدس: عارف العارف، 4- الطريق إلى بيت المقدس: د. جمال عبد الهادي محمد، 5- عروبة فلسطين في التاريخ: محمد أديب العامري، 6- فلسطين أرض وتاريخ: د. محمد سلامة النحال، 7- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ابن الجوزي.
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…C9&id=86&cat=2
منقول من كتاب {بنو اسرائيل ووعد الأخرة}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجانا
ويرجع الدكتور جواد على أيضاً أن هجرة اليهود إلى جزيرة العرب كانت بعد غزو الرومان لهم فيقول(أما ما ورد في روايات أهل الأخبار عن هجرة بعض اليهود إلى أطراف يثرب وأعالي الحجاز على أثر ظهور الروم على بلاد الشام وفتكهم بالعبرانيين وتنكيلهم مما اضطر ذلك بعضهم إلى الفرار إلى تلك الأنحاء البعيدة عن مجالات الروم،) فإنه يستند إلى أساس تاريخي صحيح، فالذي نعرفه أن فتح الرومان لفلسطين أدى إلى هجرة عدد كبير من اليهود إلى الخارج، فلا يستبعد أن يكون يهود الحجاز من نسل أولئك المهاجرين، ومن هؤلاء المهاجرين ، على رأى الإخباريين ، بنو قريظة، وبنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو بهدل، ساروا إلى الجنوب في اتجاه يثرب، فلما بلغوا موضع الغابة وجدوه رديئاً فكرهوا الإقامة فيه، وبعثوا رائدا أمروه أن يلتمس لهم منزلاً طيباً وأرضاً عذبه، حتى إذا بلغ العالية بطحان ومهزوز وهما واديان بأرض عذبة بها مياه وعيون استقر رأيهم على الإقامة فيها، فنزل بنو النضير ومن معهم على بطحان، ونزلت قريظة وبهدل ومن معهم على مهزوز
وبذلك نرى أن الرأي القريب من الصواب هو أن غالبية يهود جزيرة العرب حلُّوا بها في القرن الأول الميلادي، أي بعد تدمير أورشليم الثاني على يد تيطس الروماني، وكان أهم أسباب حلولهم بها هو فرارهم من وجه الرومان حتى يؤمنوا من بطشهم وفتكهم بهم
ومن أهم الأعمال التي اشتغل بها اليهود التجارة، حتى صار لبعضهم فيها شهرة كبيرة، ويمكن أن يقال، إن تجارة التمر والشعير والقمح والخمر تكاد تكون وقفاً عليهم في شمال الحجاز ،كذلك اشتغل اليهود بالزراعة التي كانت المهنة الرئيسية لسكان القرى منهم، واشتغلوا بتربية الماشية والدواجن وكانوا يشتغلون بصيد الأسماك، وكانت نساؤهم يشتغلن بنسج الأقمشة ،ومن الصناعات التي كان يهود الجزيرة العربية يزاولونها صناعة الصياغة، وقد اشتهر بها بنو قينقاع، كما كانوا يزاولون صناعة السيوف والدروع وسائر الآلات الحربية ،وكانت معظم معاملات اليهود مع غيرهم تقوم على المراهنات وتعاطي الربا، وقد وبخهم القرآن الكريم على أخذهم الربا، الذي نهاهم الله عن أخذه، فقال تعالى (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (161النساء)
وقد ترتب على سيطرة اليهود على الجوانب الاقتصادية في المدينة وضواحيها أن قوى نفوذهم المالي، وتحكموا في الأسواق فحشاً واحتكارا لمصلحتهم ومنفعتهم، فكرههم أغلب الناس لأنانيتهم واشتطاتهم في أخذ الربا، وسعيهم للثراء بطرق خبيثة، بأنفها العربي ويأباها
وأما علاقة اليهود بالأوس والخزرج فقد كانت خاضعة للمنفعة الشخصية والمكاسب المادية، فكان اليهود يعملون على إثارة الحرب بين الفريقين متى وجدوا في إثارتها فائدة لهم، كما حصل ذلك في كثير من الحروب التي أنهكت الأوس والخزرج، لأنهم كانوا يهمهم أن تكون لهم السيطرة المالية على المدينة، والسيطرة على صناعة السلاح وجزء كبير من الزراعة ومصادر المياه، وفوق ذلك كانوا يتحدثون عن النبي المرتقب وأنه لابد سيكون منهم، وعندها يتحكمون فيهم ديناً ودنيا
كان لليهود الذين سكنوا جزيرة العرب مدارس يتدارسون فيها أمور دينهم وأحكام شريعتهم، وأيامهم الماضية، وأخبارهم الخاصة برسلهم وأنبيائهم، كما كانت لهم أماكن خاصة يقيمون فيها عبادتهم وشعائر دينهم، وكانت هذه الأماكن تسمى المدارس أي المكان الذي تدرس فيه نصوص التوراة وأمور الشريعة ،ولم يكن المدارس في الواقع موضع عبادة وصلوات وتدريس فحسب، بل كان إلى جانب ذلك هو المكان الذي يتجمع فيه اليهود لتبادل المشورة في سائر أحوالهم الدينية والدنيوية، وهو المكان الذي كان يقصده غيرهم حين يريد الاستفسار من أحبار اليهود عن شئ يريد الوقوف عليه، والذين كانوا يقومون بمهمة تعليم اليهود أمور دينهم، هم علماؤهم وأحبارهم، وقد ذكر المؤرخون أنه كان في مقدمة هؤلاء الأحبار عبدا لله بن سلام رضي الله عنه الذي أعلن إسلامه بعد لقائه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقد جاءت الأخبار الصحيحة بان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة، كان يذهب إلى اليهود في، مدارسهم ،ليدعوهم إلى الإسلام وليحذرهم من الكفر به، وبعض الصحابة أيضا كأبي بكر الصديق رضي الله عنه كان يذهب إليهم في هذا المكان ليأمرهم بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي كانوا يستفتحون يستنصرون، به على غيرهم، والذي يعرفون صدقه فيما يبلغه عن ربِّه كما يعرفون أبناءهم
وقد حكي القرآن الكريم كثيراً من المجادلات الدينية والأسئلة المتعنتة التي كان اليهود يقومون بتوجيهها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقصد إحراجه وإظهاره بمظهر العاجز عن الرد على أسئلتهم ومجادلاتهم، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجيب على مجادلاتهم وأسئلتهم بما يدحض حجتهم ويخرس ألسنتهم ،كذلك كان لليهود تشريعاتهم ونظمهم الخاصة بهم فيما يتعلق بالذبائح والقرابين، والقصاص، والميراث، والاعتراف، والتطهير، والرق، والختان، والنكاح، وشئون المرأة، وغيرها من التشريعات التي بعضها أخذوه عن كتبهم وبعضها وضعه لهم كهَّانهم وأحبارهم من عند أنفسهم
وأيضا كانت لهم أعيادهم الخاصة بهم والتي من أشهرها عيد الحصاد عيد رأس السنة وعيد الصوم الكبير، وعيد الفصح ويسمونه عيد الفطير، ويهتم اليهود بهذا العيد لأنه يوافق اليوم الذي خرج فيه بنو إسرائيل من مصر فرار من فرعون وظلمه، ويعتبر اليهود كذلك يوم السبت عيداً لهم، لا يجوز ليهودي أن يشتغل فيه، ومن خالف حرمة هذا اليوم ودنسه بالاشتغال فيه يكون قد ارتكب جرماً عظيما وكانت لليهود أيام خاصة يصومونها كيوم عاشوراء هذا ويزعم اليهود أنهم يعتمدون في عبادتهم وتشريعاتهم، وآدابهم ومعاملاتهم ، على ما جاء في التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…C9&id=86&cat=2
منقول من كتاب {بنو اسرائيل ووعد الأخرة}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجانا