السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
مقال مميزعن أهمية وفوائد فترة الإجازة للبروفسور أحمد الإمام
فترة الإجازة … ترفيه مفيد
يقضي المرء شهور سنته منهمكا في العمل والسعي وراء الكسب، فيعاني من الإزعاجات داخل الأجواء المهنية وخيبات الأمل من رؤساءه أو زملاءه؛ وآخرون يحققون نجاحات بكـَدّهم واجتهادهم وتحملهم للكثير من التوترات والضغوط المتعددة المصادر؛ كما يصل التلميذ والطالب إلى قمة الإحتقان العصبي والضغط الذهني من جراء الإمتحانات والإختبارات المتكررة والصعوبات التي يواجهها في تحصيله الدراسي؛ فتأتي فترة الإجازة كمنقذ من مغبات التعب والإرهاق النفسي.
ينتظر الكثيرون هذه الفترة للهروب من متاعبهم اليومية، والبعض يحقق فيها كل أنواع التسكع والخمول وإضاعة الحس بمعاني الحياة، وقد يشعر الأبوان وكل أفراد الأسرة بوزر هذه الأيام التي تجبرهم على التواجد جميعا دون أنشطة مشتركة؛ فتبدأ المشاحنات بين الأطفال من جهة ومع الوالدة من جهة أخرى، التي تعجز في كثير من الأحيان عن احتواء تواجد أطفالها طوال الوقت بالمنزل، فيخيم الضجر والملل وكذلك الشغب والمنازعات المتجددة لأتفه الأسباب، لتصبح الإجازة هاجسا فعليا ينغص حياة العائلة برُمتها.
يستطيع الجميع جعل هذه الفترة مفيدة ومرفهة إذا انتبهوا إلى أهميتها، واهتموا بالتخطيط لها بأسلوب فعال وإيجابي، للترويح عن النفس وتنمية مختلف المهارات وتحقيق التناغم الذاتي.
الإنهماك في انشغالات الحياة اليومية الروتينية، يبعد المرء عن كثير من المنعشات لروحه، ويجعله يهمل الأنشطة والإهتمامات المجددة لطاقاته وحيويته؛ فيحاصره الضجر وتضيق عليه الأماكن برحابتها.
يلجأ الناس إلى السفر لتغيير الجو والبحث عن نسمات الحياة في بلدان بعيدة، وقد تأسرهم المناظر الخلابة وبهاء الطبيعة، فينعم الإنسان بالتواجد في أماكن تغذي كيانه بهجة وحبورا؛ ولكن ما يجعل هذا السحر نفاذا، هو الإطلاع على كل مكونات هذه البيئة، والتعرف على أسرار ثقافة العباد وأحوال وتراث البلاد، والإنفتاح على عجائب الخلق وتنوع ألوان ولغات وعادات الشعوب، التي هي منحدرة كلها من نسل آدم.
تنمية الآفاق الوجدانية والتعرف على طباع إخوة الإنسانية يعمق تقدير الذات، وتعلم احترام الآخر والوعي بنقاط الضعف والقوة بالمقارنة مع الآخرين، ما يحفز للسعي إلى محاكاة أرقى سبل تحسين أنماط العيش، وذلك باستلهام بعض الأفكار من واقعهم؛ وقد يكون السفر إلى بعض القرى ضمن نفس البلد لملامسة جوانب الحياة في مختلف أوجهها البسيطة والتشبع بأصالتها وتذوق جمالياتها.
ينبغي التركيز على أهمية ممارسة رياضة المشي والسباحة لما لهما من فوائد جمة على المستوى العضوي والنفسي، وتفريغ كل التشنجات العضلية والتوترات العصبية والشعور بالراحة والهناء.
كما يجدر الإستفادة من الوقت لتنمية حب العلم وتوسيع المدارك المعرفية، وشحذ الحماسة لاستيعاب بعض العلوم الغير واردة في المقررات الدراسية، كالإشتراك في أنشطة المرصد الفلكي الذي لا يكلف ماديا إلا النزر اليسير ويمَـكـن المهتم من التفكر في عظمة الخالق والتدبر في هذا الإعجاز الذي يحيط بنا من كل مكان بفساحة سماواته وأعداد مجراته ودقة مسارات شموسه وكواكبه؛ وكذا علم سلوك الحيوان، وعلم الطبيعة والتوازن البيئي، وغيرها كذلك من الفنون، والميادين والعلوم التي تساهم العديد من الجمعيات ذات النفع العام والمؤسسات الحكومية والخاصة في تعميمها ونشرها.
بعض الشباب والراشدون يعانون من خلل بارز في مهاراتهم العلائقية وتدني قدراتهم على التواصل الإجتماعي، لأسباب نفسية وعدم إقبالهم على تجربة الإنغماس في أنشطة ميدانية وعملية تمكنهم من تجاوز مخاوفهم، وصقل مهاراتهم على أرض الواقع؛ وذلك بالمساهمة في أنشطة تطوعية بمؤسسات إدارية أو خدماتية أو خيرية للعمل ضمن مجموعات مختلفة والتعود على التعبير وإثبات الذات بحضور الأغراب.
أما المغامرة وتجربة بعض الرياضات التي تعلم المرء تجاوز الصعاب وتسلق المرتفعات والصبر على المنغصات، فهي أساسية لتعليم الطفل والراشد على حد سواء، قوة العزيمة ومعاني الإصرار من أجل رفع التحدي لإثبات الذات وإنجاز الطموحات.
المصدر: البروفسور أحمد الإمام- مركز التعلم المتميز لتنمية القدرات- دبي والعين