جاءت الفلسفة الإسلامية مفسرة لحكمة هذا الاختيار الحصري للعرب لحمل الرسالة العرب الذين كانوا "يمثلون سفح الجاهلية الكاملة، بكل مقوماتها الاعتقادية والتصورية والعقلية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن ثم جاء هذا الاختيار، ليُعرف فيهم أثر هذا المنهج، وليتبين فيهم كيف تتم المعجزة الخارقة التي لايملك أن يأتي بها منهج آخر في كل ما عرفت الأرض من مناهج، وليرتسم فيهم خط هذا المنهج بكل مراحله من السفح إلى القمة، وبكل ظواهره وبكل تجاربه، ولترى البشرية في عمرها كله أين تجد المنهج الذي يأخذ بيدها إلى القمة السامقة، أياً كان موقفها في المرتقى الصاعد، سواء كانت في درجة من درجاته، أم كانت في سفحه الذي التقط منه الأميين"(1)
موقف الإسلام من العروبة
يقول عباس العقاد: "شعور القومية بالنسبة إلى الأمم نوع من الشعور بالكرامة الشخصية بل بالنسبة إلى الإنسان الفرد، وأعرف الناس بالكرامة أشدهم حرصاً على كرامة سواه، ولا تعز الكرامة في نفس أحد يهون عليه أن يهينها في نفوس الآخرين"(2)
هذا القول للعقاد وهو في تقييمي رمز من رموز القومية المعتدلة لا يجانب النظرة الإسلامية للقومية عامة وللعربية منها خاصة، فالإسلام يجعل من القوميات المختلفة أساساً للتعارف والود والإخاء العقدي والإنساني، ويطلق قدراً معيناً من الشعور بكرامة القومية والفخر بها، ولكنه يقيد على المستوى الفردي لا القومي الأفضلية والكرامة في ميزانه ويشترط لها تقوى الله عز وجل، فيقول القرآن الكريم يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13) (الحجرات).
موقف العروبيين من الإسلام: بعيداً عن النشأة المشبوهة التي رافقت بزوغ نجم القومية العربية في العصر الحديث، فإننا نعرض موقف رواد هذه الدعوة من الإسلام كمصدر حتمي لثقافة العربي، إذ تجاهلت الدعوة القومية هذه الثقافة من منطلق عقدي صرف، بل بلغ الأمر إلى أن يطلق على الجمهور العربي (شعوب العربية) باعتماد ركيزة اللغة المشتركة كهروب من واقع يربط العربي قسراً بالإسلام وحضارته، ولأن كثيراً من دعاة هذه القومية لا يمتون لأصل عربي بصلة.
وذهب أصحاب هذا التيار المغالي إلى القول بأن الإسلام شرُف بالعرب ولم يشرف العرب به، وأنه الإسلام لم يؤثر كثيراً في ثقافة العرب التي كانت تحط من شأن الخمر وكثير مما جاء الإسلام بتحريمه وإنكاره.
الوحدة العربية.. غاية أم وسيلة؟
تشكل هذه القضية مفصل الخلاف بين الإسلاميين والقوميين، فهي في نظر القوميين غاية في ذاتها، سيتوقف عندها نشاطهم، ويلقون بعصا الترحال عند أبوابها.
وأما عند الإسلاميين فما هي إلا خطوة في مسير ومحطة في طريق سيوصل إلى اتحاد إسلامي شامل بما أن الأرض العربية جزء مهم من أرض الإسلام، فيقول حسن البنا: "إن الإخوان المسلمين يحترمون قوميتهم الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود، ولا يرون بأساً من أن يعمل كل إنسان لوطنه، وأن يقدمه في الوطن على سواه، ثم هم بعد ذلك يؤيدون الوحدة العربية باعتبارها الحلقة الثانية في النهوض، ثم هم يعملون للجامعة الإسلامية باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام" (3).
::
شكرا على الموضوع .
::
في امان الله