تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الاسراء والمعراج رحلة خالدة

الاسراء والمعراج رحلة خالدة 2024.


إن الإسراء والمعراج من الناحية السلوكية وهي نصيب السالكين الصادقين من إسراء النبي الأمين، والنفحات والعطايا التي جعلها الله عزَّ وجلَّ للعارفين والواصلين، ببركة إتباعهم لسيد الأولين والآخرين صلوات ربى وسلاماته وبركاته عليه، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين.

والحقيقة أن هذه الحادثة ، لم تترك صغيرة ولا كبيرة يحتاج إليها السالك ، أو الواصل ، أو المتمكن ، إلا وضَّحتها ، وبيَّنتها بأجلي بيان ، ولكنها تحتاج إلى استجماع للحقائق الباطنة ، وتوجه بالكليِّة للحضرة المحمديَّة ؛ لنستمد منها عطاءات الله لها الربانيَّة ، وخفايا هذه الرحلة التي جعلها الله فيها لأهل الخصوصيَّة.

فما الجهاد الذي يوصِّل السالكين إلى مقامات الواصلين والعارفين ،بينته هذه الرحلة المباركة وما نصيب السالكين من فتح الله؟وما نصيب العــارفين من عطاء الله؟ كل ذلك كان في قول الله. عزَّ وجلَّ

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) (21سورة الأحزاب)

إذن، فإن مهمات السالك، ومعدات الواصل في هذه الآية أن يكون أمام عين بصيرته، ودائماً مكشوفاً لأنوار سريرته، سجايا الحبيب، وخلق السيد السند العظيم، ولا يتحول عنه طرفة عين ولا أقل!! ليكون له أسوة حسنة في كل أمر.

وأن تكون نيته، في هذا الاستحضار، أو الحضور،إما الله، وإما طلباً للمنازل العالية في الدار الآخرة عند الله عزَّ وجلَّ، وقوته وطعامه، وغذاءه وشرابه:

لاَ يَزالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ (1)
هذا هو الأساس، ومن ترك هذا الأساس لحظة؛ دخل في قول الإمام الجنيد رَضِيَ الله عنه:
{ لو حصَّل السالك ألف مقام في ألف عام، ثم التفت عن الله عزَّ وجلَّ نفساً؛ لكان ما فاته في هذا النفس؛ أكثر مما حصَّله في الألف عام }

إذن، على السالك أن يعدَّ نفسه:بأن يجعل أسوته وقدوته، في يقظته ومنامه، وحلِّه وتر حاله، وأكله وشرابه، وعمله وكل شيء له، على منوال رسول الله، وعلى سنة حبيب الله ومصطفاة.

وأن يحرص دائماً أن تكون نيَّته عند كل عمل، وأن يكون قصده في كل أمل، وأن يكون رجاءه في كل سعي، وأن تكون غايته في كل همة،هي وجه الله والدار الآخرة.
ولا نعلم في السابقين أو اللاحقين، سالكاً فتر لحظة عن ذكر ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ ؛ لأن المطلوب عظيم، والعمر قصير، ومن يطلب الله عزَّ وجلَّ لابد وأن يجدَّ ويكدَّ، ولا ينتهي الجدُّ والكدُّ إلا إذا تهني، فنال ما تمنَّى،ومن خطب الحسناء لم يغله المهر

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) (21سورة الأحزاب)
وهذه آية أهل العناية، وآية أهل البداية، وكذلك آية أهل النهاية، لأن بها كمال الولاية ، وفيها وبها تُفْتح خزن العناية لمن أكرمه الله بالولاية، ورفع له عند الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم راية

فمن ظن أنه انتهى من طور الجهاد ، فقد ساق نفسه إلى حضرة البعاد وقد قال سيدي وإمامي الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه:
{لا ينتهي جهاد النفس، حتى مع كمَّل العارفين ،إلا مع خروج النفس الأخير}

وطالما أن الإنسان فيه نفس يتردَّد، لابد وأن يكون في جهاد دائم، ولا يقرُّ له قرار، ولا يهنأ له بال، حتى تقع عين قلبه على عين الواحد المتعال عزَّ وجلَّ.

ورحلة الإسراء والمعراج لمن أراد أن يكون من أهل الخصوصيَّة ، وأن يسجل اسمه في ديوان المعيَّة المحمديَّة، …

ومن أراد أن يجاهد ، بعد أن حصَّل ما ذكرناه من أدوات الجهاد، واستدام عليها؛ طمعاً في عطاء المنعم الجواد، لا رغبة في شهرة، ولا حرصاً على مريدين، ولا أملاً في أن يكون له جاه بين الخلق أجمعين، لأنه لا يقصد في أمره كله إلا رضاء ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ:

( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (5 سورةالبينة)

هذه هي رغبته، فعليه أيضاً أن يقلِّم تطلعات النفس كما نقلِّم أظافر اليد،
لأن النفس دائماً ما ينبت لها تطلعات، وتأتي لها أهواء ظاهرات أو خفيَّات لا يكشفها الله عزَّ وجلَّ للمرء إلا بصـدقه في التوجه لحضرة الله، ودوام المتابـعة لحبيب الله ومصطفاة.

فلو تابع هواه، أو نفسه، طرفة عين ، حدث له البعـد، ونزلت ستارة الأين والغين؛ فحجبته عن رؤية العين، ويظن أنه في مقام عظيم، مع أنه عند هوى نفسه مريمٌ ومقيم، والجاهل من الأكوان مناه، وهو يظن أنه يعبد الله

فمن يريد أن يكون من أهل المعيَّة المحمديَّة، ويتفضل الله عليه بعطاء أهل السابقيَّة، ومنح أهل الخصوصيَّة وهذا مقام وحديثنا لأهل هذا المقام.

أما من يريد دار الرضوان، أو درجة في الجنان، أو الأمان من النيران، فهذا مقام سهل، قد يسَّره الله علينا بني الإسلام؛ ما دمنا نحافظ على تعاليم المصطفى الظاهرة عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام

(1)رواه الإمام أحمد فى مسنده، والبيهقى فى سننه الكبرى، وفى مصنف ابن أبى شيبه، عن عن عبد الله بن بسر أن أعرابيًا قال لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأنبئني منها بأمر أتشبث به. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ( الحديث ) .
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…C2&id=18&cat=4

منقول من كتاب {إشراقات الإسراء الجزء الثاني}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً

<a href="https://

خليجية


إن كنز الولاية لأهل العناية؛ تفك رموزه في رحلة الإسراء والمعراج وقد جعل الله عزَّ وجلَّ أسرار الإسراء في كلمة أسرى:
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى ) (1سورة الإسراء)
ففي ألف البداية؛ كاشفه الله عزَّ وجلَّ بياء النهاية، وبينهما سرُّ أهل العناية:
( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) (10سورة النجم)

فجهاد السالكين في بداية سيد الأولين والآخرين؛ بأن يُقبل على قلبه، ويركِّز البصر على ما في فؤاده، ويطهِّره مما سوى مولاه، ولا يجعل فيه شيئاً لغير وجه الله عزَّ وجلَّ، كما حدث مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومن يجاهد في العبادات، كأن يقوم الليل، ويصوم النهار، ويجتهد في تلاوة القرآن، وما ورد من الأذكار والأعمال مثل هذا نسمِّيه من الأبرار،ويأخذ على عمله أجراً عظيماً، ومنزلة كريمة في دار القرار:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ماذا لهؤلاء ؟
( كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) (107سورة الكهف)

أي: أنه سيأخذ أجره هناك، لكن من يريد المقام الأعظم ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ ) وهذا مقام آخر
( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ) لكن هذا العمل معه نيَّـة مهمَّة
( وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (110سورة الكهف)

فمن أراد بلوغ مقام الواصلين؛ فإن جهاده في طهارة القلب:
( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (89 سورة الشعراء)

وقال في ذلك سيدي وإمامي الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه عندما كان في طَوْرٍ أُخذ فيه بالكليِّة عن الحضرة الجسمانيَّة، ووُوجه بالحضرة العليَّة، فغاب عن نفسه، وكان كما قال الله عزَّ وجلَّ : ( كنت لسانه الذي ينطق به) ، وقد قال في هذا المقام:
فرِّغ القلب من سوانا ترانا يا مريداً جمالنا وبهانا

هذا هو جهادك، أن تفرِّغ القلب مما سوى الله، وأن تجعله خالصاً لله عزَّ وجلَّ، فعليك أن تخرج منه الهوى وهو أول داء يمنع السالكين من مدد سيد الأولين والآخرين:
( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) (26سورة ص)
فلا يوجد سالكٌ له هوى، لأن هواه كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:

( لا يُؤْمنُ أَحَدُكمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ )(1)
لأن هواه مع الله، وما يحبُّه سيِّدنا ومولانا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإذا تحقق بهذا الجهاد، وصفى القلب، فوراً:
إذا صفا القلب من وهم وشبهات ي شاهد الغيب مسروراً بآيات

وإذا لم يشاهد، فإنه يحتاج لمزيد من الجهاد، وهذا الجهاد لا يصح، ولا يتمُّ، إلا مــع طبيب ربانيّ، وخبير قرآنيّ، أمره بذلك العليّ عزَّ وجلَّ .

لأن الله عزَّ وجلَّ، وهو الذي يعلم أنه ما هناك قلبٌ أتقى، ولا أنقى، ولا أرقى، من حبيب الله ومصطفاة، ومع ذلك أرسل نفراً من الملائكة الكرام؛ ليشقوا بطنه، ويغسلوا قلبه بماء زمزم، ليعلِّمنا:أن الإنسان مهما بلغ،لا يستطيع أن يتمَّ هذا الأمر لنفسه بنفسه، وإنما يحتاج لمن يقوم له به بأمر ربِّه عزَّ وجلَّ؛ فيحتاج إلى طبيب أمره ربُّ العزة بهذه الأعـمال، وصرح له بذلك حبيب الله ومصطفاة صلَّى الله عليه وسلَّم.

وإذا ذهب إلى الطبيب، وكاشفه بما هو معيب، وتحمَّل هذا المقام المهيــب لأن الإنسان لا يحبُّ أن يكاشفه أحدٌ بما هو فيه، وإذا كوشف بعيب فيه؛ ربما يشـرد، وربما يثور ويغضب، وكلُّ ذلك هو علامة منازعة النفس الإبليسية، ودليل على أن جمرة الغضب لم تنتهِ في نفسه بعد.
متى تنتهي جمرة النفس، إذا كان القدح أحبُّ إليه من المدح، وإذا شجَّع من حوله
وقال: (رحم الله امرئ أهدى إليَّ عيوب نفسي)(2)

فــإذا وصل لهذا المقام على التحقيق يعلم أنه قد وضع قدمه على قدم الصدِّيق، وأن هذه بداية سلوكه للطريق.

أما إن كان يحزن من هذا إذا نصحه، ويغضب من هذا إذا كاشفه بعيب له، أو فيه، بل ربما يتخذ موقفاً، أو ربما يتحوَّل ويُحوِّل الأمر إلى عداوة، فإن ذلك دليل على أن النفس ما زالت كامنة، وإن كانت في الظاهر ساكنة، إلا أنها لم تنتهِ كما يحبُّ ربُّ العباد من العباد .

(1)مرويٌ في فتح الباري ومشكاة المصابيح ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
)2)إشارة إلى القول المأثور عن عمر بن الخطاب رَضِيَ الله عنه: (رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي )، ورد فى سُنَنُ الدَّارِمِيِّ فى رِسَالَةُ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشَّامِيِّ


http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…C2&id=18&cat=4

منقول من كتاب {إشراقات الإسراء الجزء الثاني}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً

<a href="https://

خليجية

أحسنت و بارك الله فيك
طبعان بحر
أشكر لك حسن متابعتك
جزاك الله كل خير
دمت في رضا الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.