القلق واضطرابات نفسيّة وبدنيّة
لأن الإنسان بطبعه كائن متفاعل مع الظروف البيئية المحيطة به، من بشر ومناخ وأحوال اجتماعية ومادية ومعيشية وغيرها، فإن اضطراب التفاعل قد يكون سبباً في الإصابة بمشاكل بدنية ونفسية.
ثمة دراسات كثيرة حول تأثيرات القلق الصحيّة، أي التعايش مع حالات اضطرابات القلق وفوبيا الرِّهاب. أوضح باحثون أميركيون في هذا المجال، أن الأبحاث لا تزال غير متطورة ومتعمقة في ما يتعلّق بالجوانب الفيزيولوجية والوظيفية في الأعضاء التي تُصيبها الأمراض نتيجة القلق الدائم. لكن الأدلة تتوالى في الظهور حول العلاقة المتبادلة بين المشاعر والعواطف النفسية من جهة، وبين الوظائف البدنية في أعضاء الجسم، من جهة أخرى.
يتسبب القلق بأمراض بدنية مزمنة كثيرة، من بينها أمراض القلب واضطرابات الجهاز التنفسي المزمنة، وحالات اضطرابات الجهاز الهضمي، كالمعدة والأمعاء. وحينما لا تُعالج اضطرابات القلق لدى المُصابين بأمراض بدنية، تغدو معالجة أمراضهم صعبة جداً، والأعراض البدنية التي يشكون منها تزداد سوءاً.
لا تسبّب الإصابة بحالات اضطرابات القلق العام بالانزعاج وانشغال الذهن واستهلاك التفكير فحسب، بل تُؤدي أيضاً إلى مضاعفات نفسية، مثل الاكتئاب والإدمان والأرق والصداع واضطرابات الجهاز الهضمي وصرّ الأسنان…
الجهاز الهضمي
متلازمة القولون العصبي IBS وعسر الهضم من أكثر الأمراض الشائعة التي تصيب الجهاز الهضمي. وفي الحالتين تكون الأعصاب المنظِّمة لعمل أجزاء الجهاز الهضمي مصابة بنوع من الحساسية المرتفعة في الاستجابة لأي مثيرات، ما يحوّل الأعراض المرضية المصاحبة لهذين المرضين، مثل ألم البطن وانتفاخه والإسهال أو الإمساك وألم المعدة والغثيان والقيء، الى أمراض مزمنة وعصّية على المعالجات الطبية.
وعلى رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول مدى انتشار اضطرابات القلق لدى المُصابين بأحد أمراض الجهاز الهضمي، أشار بعض الدراسات إلى علاقة قوية بين الإصابة بمستويات عالية من القلق النفسي وبين احتمالات الإصابة بمتلازمة القولون العصبي بعد حصول التهابات النزلات المعوية الميكروبية، التي تطال المعدة والقولون والأمعاء الدقيقة.
الرئة
يعاني مرضى الربو asthma (التهاب في الشعب الهوائية) ومرضى السد الرئوي المزمن COPD (التهاب يُفقد أجزاء الرئة مرونتها) صعوبةً في إدخال الهواء إلى الرئة وإخراجه منها.
أشارت دراسات طبية عدة، إلى أن المصابين باضطرابات القلق، بالإضافة إلى أحد هذين المرضين الرئويين، هم أكثر احتياجاً إلى التردد على أقسام الإسعاف في المستشفيات لتلقي العلاجات المستعجلة، وإلى دخول المستشفيات لتلقي علاجات تضبط حالة وظائف الرئة. وهكذا فإن اضطرابات القلق، وإن كانت ليست السبب في نشوء هذين المرضين، إلا أنها تتسبب بصعوبات في معالجتهما وتتسبب في تدهور نوعية حياة المصابين.
القلب
يشير الاختصاصيون إلى علاقة مباشرة بين الإصابة بأمراض القلب وتدهور حالة المُصابين باضطرابات قلبية، وبين القلق، ومن أبرزها العلاقة التي تربط القلق باضطرابات إيقاع نبض القلب، أو ما يُسمى بالخفقان، وأمراض شرايين القلب، كالذبحة الصدرية والجلطة القلبية، وتدهور الاستقرار في حالات ضعف عضلة القلب، وارتفاع ضغط الدم…
وصلت احتمالات الإصابة بجلطة في الشرايين التاجية القلبية لدى المُصابات بمستويات عالية من رهاب القلق الى نسبة تُقارب 60%، واحتمالات وفاتهن المباشرة في حال الإصابة بالنوبة القلبية تتجاوز 30%.
ويوضح الأطباء أن تعرّض المرأة لنوبات الذعر panic attacks يُؤدي إلى زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في رفع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب والسكتة الدماغية.
أسبابه
القلق العام أحد أكثر أنواع حالات الاضطرابات النفسية شيوعاً. ويرى الباحثون في طب النفس أنها تنتج من اضطرابات في مواد كيماوية في الدماغ تعمل على تحسين التواصل بين الخلايا الدماغية في المناطق المختلفة، خصوصاً في المناطق المعقدة.
بالإضافة إلى مجموعة عوامل ترفع من خطورة الإصابة بحالات اضطرابات القلق العام، وتشمل العوامل البيولوجية الحيوية في الدماغ أو بعض مناطق الجسم المؤثرة على عمل أجزاء الدماغ، والعوامل الجينية ذات الصلة الوثيقة بالرموز الوراثية المنتقلة من الآباء والأمهات، والعوامل البيئية، أي الحياتية والأسرية والاجتماعية والمادية والمناخية والجغرافية وغيرها…
ومن العوامل الأخرى:
• أزمات ومحن خلال مرحلة الطفولة.
• الإصابة بأمراض شديدة مثل أمراض شرايين القلب أو السرطان، التي تجعل المرء يقلق من المستقبل الصحي ومدى نجاح العلاج وتكاليفه…
• ضغوط الحياة، خصوصاً عند تكرار المشاكل الحياتية اليومية واستمرارها.
• شخصية المرء، أي أن البعض يتميّز بشخصية أكثر قابلية من غيره للإصابة بهذه الحالة.
أعراضه
تختلف أعراض الإصابة بالقلق العام بين مُصاب وآخر، ولدى المصاب نفسه. تبدأ هذه الحالة في مراحل عمرية مبكرة، لذا فإن الأعراض والعلامات التي تدل على الإصابة بها، تتطوّر ببطء مع مرور الوقت، حتى أن مُصابين كثيرين لم يختبروا الشعور بالاطمئنان أو الراحة النفسية في حياتهم. ومن هذه الأعراض:
• ضجر دائم.
• شعور بالنرفزة أو التعصيب.
• شعور بغصة في الحلق.
• صعوبة في التركيز.
• إجهاد وتعب بدني ونفسي.
• سرعة غضب.
• تشويش ذهني.
• شد عضلي.
• صعوبة في النوم.
• زيادة إفراز العرق.
• ضيق تنفّس.
• ألم في المعدة وإسهال وصداع.
أنواعه
ضمن ما يُعرف طبياً بحالات الرهاب Phobias ونوبات الذعر واضطرابات الوسواس القهري obsessive-compulsive disorder والقلق العام generalized anxiety disorder ، يدرس الأطباء مدى تطابق أعراض القلق مع عناصر المعايير التشخيصية المذكورة في كُتيّب تشخيص الاضطرابات العقلية الذي يستخدمه الاختصاصيون في الطب النفسي، لتشخيص الإصابة بحالات القلق.
وتشمل العناصر اللازمة ما يلي:
• قلق مفرط مزمن.
• صعوبة في التغلب على القلق.
• قلق مصحوب بأعراض عدة، مثل سهولة التعصّب وصعوبات في التركيز، وبالشد العضلي، وباضطرابات النوم.
• شعور بالحزن والأسى، وتعطيل الحياة اليومية أو تكديرها.
• نوبات الذعر أو الإدمان على المخدرات.
علاجاته
يعاني المصابون بحالات اضطرابات القلق العام، الصغار والكبار، بشكل دائم من امتلاء الذهن بمخاوف حول مختلف الأمور، كالأداء في المدرسة أو الجامعة أو الوظيفة. وقد تصل المخاوف إلى التفكير بالزلازل والبراكين أو حتى بالحروب القريبة أو البعيدة، والقلق من الرحلات الجوية والبرية والبحرية…
يلاحظ الطب النفسي أن حالات القلق المفرط ، لا تهدأ مع الوقت، بل تزداد سوءاً وتتوسع. لذلك ينصح باستشارة الاختصاصيين لوضع حدّ للمخاوف التي تؤثر سلباً علينا.
وتتأكد أهمية البحث عن معالجة للإشكالية النفسية المرتبطة بالقلق حينما يشكو المرء من أعراض عضوية يتم إثبات أن لا أسباب عضوية لها. وتحدث الباحثون عن ثبوت الفائدة لعلاج القلق في تخفيف الأعراض العضوية لأمراض الرئة والجهاز الهضمي وأكدوا وجود مؤشرات قوية على جدواه في تخفيف أعراض حالات أمراض القلب وانتكاساتها.
كل الوود((ذيب الامارات))