من الواجب على أي دارس لتاريخ منطقة ما أن يسأل أهلها ويطرق بابهم للوصول الى الحقائق، ومن أجل مصداقية أكبر في تاريخ هذه المنطقة دون الاكتفاء برأي بعض الأقلام، فأهل جلفار أدرى بشعابها وما تتحدث عنه الدراسة وما يشير اليه استقراء نجيب الشامسي يتضح فيه غياب أهالي جلفار وما توارثوه من كنوز بشأن مدينتهم الخالدة، ولا يخفى على أحد، أن سكانها الأصليين هم بنو زراف وإن جار الزمان عليهم وتناثرت اخبارهم إلا أنهم كانوا سادة المنطقة وسكانها وهذا ما يجهله الكثيرون ممن يحاولون الدراسة والبحث في تاريخ المنطقة المحصورة بين هرمز وخور العديد. تعتبر مدينة جلفار القديمة، من المدن المهمة التي لعبت على ضفاف الخليج دوراً مهماً ليس في المجالين السياسي والعسكري فحسب، بل في المجالين التجاري والاجتماعي ايضاً، فقد امتهن أهل جلفار التجارة شأنهم في ذلك شأن اخوانهم في مناطق اخرى من الخليج، كما كانوا اصحاب سفن وربابنة مهرة ينقلون البضائع والمسافرين الى الاقطار التي يعرفونها كالهند والصين.
كما كانت جلفار (رأس الخيمة) قاعدة عسكرية اسلامية، انطلق منها القائد المسلم عمرو بن العاص، ومعه حوالي ثلاثة آلاف من ابناء المنطقة، وعبروا مياه الخليج العربي، على جزيرة كاوان، وحاصروها حتى استسلمت
ويقول الربان الإماراتي المشهور شهاب الدين احمد بن ماجد في وصف جلفار ومن فيها من الربابنة المجربين:
رعى الله جلفار ومن قد نشأ بها
وأسقى ثراها واكفا متتابع
بها من أسود البحر كل مجرب
وفارس بحر للشدائد بارع
ويقول عن إتمام ارجوزته المسماة “الحاوية” سنة 866 هجرية:
تمت لشهر الحج في جلفار
أوطان أسد البحر في الأقطار
وكلام ابن ماجد كما يقول عبدالغفار حسين في محاضرة القاها في ندوة الثقافة والعلوم في دبي: “يدلنا على ان جلفار كانت موطناً للنواخذة او الربابنة الكبار الذين كان يعتمد عليهم في قيادة السفن التجارية الكبيرة الى السواحل الهندية والافريقية وغيرها”.
وما وجود ابن ماجد وامثاله من الكبار الذين كانوا يكتبون الكتب والدراسات في البحر وعلومه الا دليل ايضاً، على ان مدينة جلفار كانت عظيمة الشأن في المسائل التجارية. وحسب رأي الأثريين، فإن جلفار القديمة ربما كانت تقع في موقع خور رأس الخيمة الذي تغيرت ملامحه بسبب حركة المد البحري، ومثل هذه التأكيدات ربما تكون سبباً للكشوفات اللاحقة في منطقة المطاف، وهي المنطقة الرئيسية للاستقرار في ميناء جلفار منذ أواسط القرن الرابع عشر وحتى الثلث الأول من القرن السابع عشر.
وكان أول مكان للاستقرار هو “الندود” الذي يعتبر الاساس للمطاف وسكن منذ النصف الثاني للقرن الخامس عشر. ويعود سبب الاستقرار في جلفار الى الأهمية المتزايدة للميناء والناجمة عن ازدياد حجم التجارة المحلية مع الشرق الأقصى خلال تلك الفترة، وقد تم التأكد من ذلك من خلال اكتشافات عديدة للصيني الأزرق والبورسلين الأبيض الذي وجد في الموقع الذي يعود أصله الى فيتنام، مع بعض البورسلين الأسود والملون من تايلاند. وقد تمت الاشارة اول مرة الى جلفار من قبل الجغرافي الاسلامي المقدسي (985 هجرية)، وذكر جلفار كثيراً من الجغرافيين العرب كابن خرداذبة، وياقوت الحموي، والادريسي. وقال عنها ياقوت الحموي في كتابه المشهور “معجم البلدان” في القرن الثاني عشر الميلادي: إن جلفار ولفظها بالضم ثم الفتح والتشديد، بلد بعمان، عامر كثير الغنم والجبن والسمن، يجلب منها الى ما يجاورها من البلدان، وهذا القول يدل على ان جلفار عامرة بالسكان، وفيها النشاط التجاري.
الربان أحمد بن ماجد الذي عاش حوالي سنة 1400م ذكر رأس الخيمة بالاسم كما ذكر جلفار وهذا يظهر أنهما كانتا مدينتين منفصلتين.
وكتب فاسكو دي جاما عام 1498م في مذكراته الخاصة برحلته الشهيرة والتي عرضت في المكتبة الوطنية في لشبونة: بعد وصولنا الى هذه المدينة بورفكان (خورفكان) وصلنا الى مدينة اخرى باسم “ضدنة” ثم الى مدينة دبا، وبعد ان تركناها وصلنا الى جلفار، وهي مدينة كبيرة يوجد فيها سكان كثيرون شرفاء، وتجار عظماء اذكياء وبحارة كثيرون يصطادون المحار ويتاجرون باللؤلؤ، ويأتي اليهم تجار هرمز ليشتروا اللآلىء ثم يأخذوها الى الهند، وبعد ان أبحرنا من هذه المدينة وجدنا “راكوما” (رأس الخيمة) وهي مدينة كبيرة.
وقد كانت مدينة “جلفار” عرضة للاحداث الجسام، فبعد انهيار أحد السدود في أحد الأودية القريبة من المدينة تعرضت منطقة – المعيريض – احدى ضواحيها لسيل جارف أخذ معه كل شيء حتى القلاع والبيوت والناس، ومرة اخرى أعيد بناؤها فقد عرف عن أهالي المدينة وعلى رأسهم بنو زراف اجداد أسد البحر احمد بن ماجد ثراؤهم، الى ان جاء الانجليز في حملتهم الظالمة ضد المدينة بحجة انها تحولت الى معقل للقرصنة، وفي الساعة الثانية والنصف من يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1809 تم حرق المدينة عن بكرة أبيها، خرج يومها الأهالي للاحتماء بالجبال المحيطة، ويقال بأنهم بنوا بيوت الحجر المميزة في شكلها منذ ذلك اليوم، واستعملوا مخابىء لهم، واستمر الحصار لمدة أسبوع روى خلاله الأهالي بدمائهم تراب المنطقة ولم تستسلم حامية الرجال في قلعتها الا بعد أن نفدت منها كل الذخائر.
اشارات تاريخية قوية تؤكد ان بني زراف هم من سيطر على سواحل الخليج العربي وامتدت تجارتهم البحرية الى كل ارجاء الكرة الارضية وصولاً للصين والهند وعمان وسواحل افريقيا، وما اخبار شهاب الدين احمد بن ماجد غائبة عن أحد، ولم يعرف المستعمرون اسطولاً بحرياً وقوة بحرية ضاربة اقوى من اسطول بني زراف ولم يعرفوا اسواراً أكبر حصانة من اسوارهم التي امتدت من خور خوير مروراً في شمل والى التلال الصحراوية المتناثرة على اطراف رأس الخيمة.
واستمرت سيادة بني زراف في أرض الأجداد متجاوزة كل استعمار وبكامل سيادتها لم تعرف قط تبعية لأحد ولم تكن يوماً تابعة للحكم الفارسي ولا لسيادة اليعاربة ولا حتى أي احتلال استعماري غاشم حتى تحالفت قوى الاحتلال لإحراق أسطولها البحري واضعاف شوكتها التجارية وانتشر ابناؤها في وديان الجبال واختلطوا مع بقية القبائل الجبلية الأخرى.
وقد استقبل الشيخ محمد أحمد عبدالله بن عيسى الزرافي القواسم واهتم بهم ورعاهم وأعانهم على مسكنهم واستقرارهم في رأس الخيمة، وكان لبريطانيا الدور الكبير لتغييب أهالي جلفار عن السيادة في ظل قوى متعددة تتصارع من أجل السيادة وبفعل نجاح القواسم بالمقاومة والسيادة على اراضي الشارقة وبفعل قيام مشايخ معتمدين من قبل بريطانيا استقلت رأس الخيمة تحت سيادة القواسم.
تحاول بعض الأقلام التي ليس لها العلم الكافي تهميش دور بني زراف في تاريخ جلفار وتغييب تواجدهم الحالي في ربوع رأس الخيمة متناسية بذلك حقهم التاريخي في سيادة المنطقة وسكناها محاولة تغليب آراء دخيلة ورسم صورة غير مستقرة لجلفار واصفة إياها بأنها محطة عبور خالية من السيادة وأنها تتصف بالتبعية تارة للفرس وتارة للاحتلال والاستعمار وتارة اخرى لحكم اليعاربة، وما يؤكده لنا أهلنا ان سيادة أجدادنا على ارض جلفار ممتدة منذ سنوات عديدة وخلال جميع المراحل التاريخية التي شهدتها المنطقة وصولاً الى الاستعمار البريطاني وقيام المشيخات الحديثة.
ودااااااامت جلفار عامره باهاليها وتاريخها العريق
يعطيج العافية على الموضوع
معلومة جديدة
تسلمين والله يعطيج العافية
تحياتي
بنوته الحلوه
وعلى الملعومة المفيدة
بانتظار يديدج
همس وبنووته
يعطيج الف عافيه
